من يقف وراء الزيادة الظرفية في الأسعار قبيل رمضان؟
صفحة 1 من اصل 1
من يقف وراء الزيادة الظرفية في الأسعار قبيل رمضان؟
من يقف وراء الزيادة الظرفية في الأسعار قبيل رمضان؟
د / بشير مصيطفى/Messaitfa.bachir@gmail.com
التهبت الأسعار فجأة في أسواق الجزائر ومست سلعا بعينها حتى يخيل لنا أن العملية منظمة أو تقف وراءها جهات مؤثرة تحسبا لفترة من العام تعرف عادة تغيرا في سلوك المستهلك باتجاه زيادة الطلب.
واللافت في هذا الصدد أن جل الدول المسلمة تشهد خصومات جيدة في الأسعار بمناسبة شهر رمضان وبعضها يعرض السلع ذات الطلب العالي بأسعار لا تنافس. فما الذي يجعل السوق الجزائرية تتمرد عن السياق الإسلامي والعربي العام؟ ما هو التفسير الاقتصادي لظاهرة تجارية تتكرر كل عام؟ ومن يقف وراء الزيادة الظرفية في الأسعار قبيل حلول الشهر الفضيل؟
السلوك الاحتكاري للسوق
تتشكل الأسعار بصورة عفوية في سوق تتسم بالمنافسة الكاملة لتفسر لنا العلاقة بين قوى العرض والطلب كما هو الحال في السوق الحرة. وهكذا تزيد الأسعار كلما زاد الطلب مع فرضية ثبات العرض ولكن في حدود زيادة الطلب وموازاة مع التحول في سلوك المستهلك. أما أن يحدث ذلك قبل حدوث الظاهرة كما هو الشأن في هذه الأيام فلا تفسير لذلك سوى عوامل من خارج السوق سرعان ما تغذي حالة محتملة هي نقص المعروض. ويكون السلوك الاحتكاري لعدد كبير ومؤثر في السوق من تجار التجزئة أو الجملة المتهم الأول في ظاهرة تعاكس تماما قوانين السوق في حالة المنافسة الكاملة. ويؤثر الاحتكار سلبا في طبيعة منافسة الأسواق ويدفع بالأسعار الى الارتفاع. ولذلك حرمت الأديان مثل هذا السلوك وشدد الإسلام على متابعة المحتكر وجعل من وظائف الدولة ضمان المنافسة الكاملة للأسواق، ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن "تلقي الركبان" ويعني ذلك إبرام صفقات التجارة قبل دخول السلعة الى السوق مما يسهل عملية احتكارها ويرفع أسعارها.
وفي عصر تكنولوجيا التبريد، يكمل التخزين وظيفة "تلقي الركبان" ويصير من السهل استثمار المحتكر الزمن الفاصل بين الشراء والبيع مستغلا السلوك الاستهلاكي للأسر خلال شهر رمضان أو بعض المناسبات مثل الأعياد الدينية.
وصورة أخرى من صور الاحتكار تكمن في العدد المحدود للمتدخلين في السوق، فكلما كان العدد صغيرا مقارنة بعدد الأسر كلما قلت المنافسة الشريفة وتمكن ممارسو التجارة أو المنتجون من فرض أسعارهم على سلعة محددة، ولهذا يشكل التزايد المستمر لعدد المنتجين ضمن سياسة حفز القطاع من أهم عوامل خفض الأسعار.
ضغط الطلب ومبدأ التسعير
ويدفع سلوك المستهلك بالأسعار نحو الارتفاع عندما يزيد الطلب تحت شروط الاحتكار. وفي اقتصاديات السوق لا يمكن التحكم في الطلب ولكن يمكن التقليل من أثر الاحتكار بواسطة تدخل الحكومة عبر آليات محددة مثل منع التخزين وتشديد الرقابة على وسطاء التجارة وإن بدا ذلك صعبا في اقتصاد غير منظم ويفتقر الى إدارة تجارية ذكية. كما أن الملاحظ في أغلب الأحيان أن النفوذ والمصلحة تعيقان الى حد ما فعالية الجهاز الحكومي في مكافحة الاحتكار، الشيء الذي يفسر لنا تكرار ظاهرة الارتفاع المفاجىء للأسعار قبيل شهر رمضان من كل عام حتى أصبحت من الثوابت التي تميز السوق. وتفضل الحكومة في أغلب الأحيان اللجوء للاستيراد في محاولة للضغط على الأسعار، في حين يكون من الأجدى التدخل عن طريق إطلاق استثمارات حكومية في قطاع إنتاج سلة المنتجات المعرضة أكثر من غيرها لارتفاع الأسعار الظرفية. طريق قليل المخاطر بسبب الطلب المضمون ومن شأنه تفعيل دور الحكومة كعون اقتصادي إيجابي.
عديد المحللين لا يرون في تدخل الحكومة عبر الإنتاج الصغير جدوى، ولكن رؤية جديدة بدأت تتبلور عندما أثبتت تجربة الدول حديثة التحول إلى اقتصاد السوق محدودية قواعد السوق الحرة في خفض الأسعار بل ويعتبر الكثيرون أن انسحاب الدولة من الموضوع الاقتصادي كان في غير وجهته المناسبة. ولهذا عندما منع التشريع الإسلامي مبدأ التسعير عن الحاكم كان يقصد من ذلك منع خفض الأسعار من طرف التجار الذين يملكون مزايا تنافسية ويمارسون ذلك بالشكل الذي يطرد غيرهم من التجار من السوق - وهم التجار الذين لا تسمح لهم الأسعار المنخفضة بتغطية تكاليف التجارة - وبالتالي يقلل من عدد المتدخلين، أما في حالة الاحتكار فيكون على الدولة ضمان استقرار السوق كمسؤولية أخلاقية ووظيفية في نفس الوقت وبالآليات التي تراها أكثر نجاعة.
الشكوى على كافة الأصعدة
عندما يشكو الجميع من ظاهرة اقتصادية لا أحد يملك القدرة على الحد منها، فإن ذلك يعني خللا في منظومتنا التجارية يجب الكشف عنه بكل شفافية. فهل هي لوبيات منظمة وتمارس المبدأ الرأسمالي الشائع بين شركات الاحتكار الكبرى "الربح الاضافي"؟ أم هو المستهلك الذي يدفع بالطلب إلى حدود "الطلب الفعال" بغض النظر على السعر؟ أم هي الحكومة التي لا تملك من الفعالية الإدارية ما يسمح لها بتطبيق الرقابة على "المخزون" و"الوساطة"؟ أم هي المنظومة التشريعية التي أغفلت في سياق التقنين لاقتصاد السوق التقنين أيضا لحماية المستهلك؟ أم هي المنظومة الأخلاقية لمجتمع التجار والتي تشكلت ضمن التحول السريع من الاقتصاد الاشتراكي الى اقتصاد السوق؟ أم هي الاعتبارات النفسية والسوسيولوجية المرتبطة بالمواسم الدينية والأعياد؟ أم أن الأمر يعود الى تشكيلة القطاع التجاري وطبيعة المتدخلين في السوق في صلتهم بالإدارة؟
ومهما كانت العوامل التي تقف وراء الارتفاع المفاجئ للأسعار قبيل شهر رمضان، يبقى السؤال عن حدود مسؤولية كل طرف وما الذي يمكن عمله حتى لا يستمر شذوذ الجزائر عما يجري في العالم الإسلامي من ترتيبات لاستقبال واحد من الشهور العظيمة، أبرزها على الاطلاق تقديم خصومات للمستهلكين تصل في بعض الأسواق الى البيع بالأسعار الرمزية.
د / بشير مصيطفى/Messaitfa.bachir@gmail.com
التهبت الأسعار فجأة في أسواق الجزائر ومست سلعا بعينها حتى يخيل لنا أن العملية منظمة أو تقف وراءها جهات مؤثرة تحسبا لفترة من العام تعرف عادة تغيرا في سلوك المستهلك باتجاه زيادة الطلب.
واللافت في هذا الصدد أن جل الدول المسلمة تشهد خصومات جيدة في الأسعار بمناسبة شهر رمضان وبعضها يعرض السلع ذات الطلب العالي بأسعار لا تنافس. فما الذي يجعل السوق الجزائرية تتمرد عن السياق الإسلامي والعربي العام؟ ما هو التفسير الاقتصادي لظاهرة تجارية تتكرر كل عام؟ ومن يقف وراء الزيادة الظرفية في الأسعار قبيل حلول الشهر الفضيل؟
السلوك الاحتكاري للسوق
تتشكل الأسعار بصورة عفوية في سوق تتسم بالمنافسة الكاملة لتفسر لنا العلاقة بين قوى العرض والطلب كما هو الحال في السوق الحرة. وهكذا تزيد الأسعار كلما زاد الطلب مع فرضية ثبات العرض ولكن في حدود زيادة الطلب وموازاة مع التحول في سلوك المستهلك. أما أن يحدث ذلك قبل حدوث الظاهرة كما هو الشأن في هذه الأيام فلا تفسير لذلك سوى عوامل من خارج السوق سرعان ما تغذي حالة محتملة هي نقص المعروض. ويكون السلوك الاحتكاري لعدد كبير ومؤثر في السوق من تجار التجزئة أو الجملة المتهم الأول في ظاهرة تعاكس تماما قوانين السوق في حالة المنافسة الكاملة. ويؤثر الاحتكار سلبا في طبيعة منافسة الأسواق ويدفع بالأسعار الى الارتفاع. ولذلك حرمت الأديان مثل هذا السلوك وشدد الإسلام على متابعة المحتكر وجعل من وظائف الدولة ضمان المنافسة الكاملة للأسواق، ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن "تلقي الركبان" ويعني ذلك إبرام صفقات التجارة قبل دخول السلعة الى السوق مما يسهل عملية احتكارها ويرفع أسعارها.
وفي عصر تكنولوجيا التبريد، يكمل التخزين وظيفة "تلقي الركبان" ويصير من السهل استثمار المحتكر الزمن الفاصل بين الشراء والبيع مستغلا السلوك الاستهلاكي للأسر خلال شهر رمضان أو بعض المناسبات مثل الأعياد الدينية.
وصورة أخرى من صور الاحتكار تكمن في العدد المحدود للمتدخلين في السوق، فكلما كان العدد صغيرا مقارنة بعدد الأسر كلما قلت المنافسة الشريفة وتمكن ممارسو التجارة أو المنتجون من فرض أسعارهم على سلعة محددة، ولهذا يشكل التزايد المستمر لعدد المنتجين ضمن سياسة حفز القطاع من أهم عوامل خفض الأسعار.
ضغط الطلب ومبدأ التسعير
ويدفع سلوك المستهلك بالأسعار نحو الارتفاع عندما يزيد الطلب تحت شروط الاحتكار. وفي اقتصاديات السوق لا يمكن التحكم في الطلب ولكن يمكن التقليل من أثر الاحتكار بواسطة تدخل الحكومة عبر آليات محددة مثل منع التخزين وتشديد الرقابة على وسطاء التجارة وإن بدا ذلك صعبا في اقتصاد غير منظم ويفتقر الى إدارة تجارية ذكية. كما أن الملاحظ في أغلب الأحيان أن النفوذ والمصلحة تعيقان الى حد ما فعالية الجهاز الحكومي في مكافحة الاحتكار، الشيء الذي يفسر لنا تكرار ظاهرة الارتفاع المفاجىء للأسعار قبيل شهر رمضان من كل عام حتى أصبحت من الثوابت التي تميز السوق. وتفضل الحكومة في أغلب الأحيان اللجوء للاستيراد في محاولة للضغط على الأسعار، في حين يكون من الأجدى التدخل عن طريق إطلاق استثمارات حكومية في قطاع إنتاج سلة المنتجات المعرضة أكثر من غيرها لارتفاع الأسعار الظرفية. طريق قليل المخاطر بسبب الطلب المضمون ومن شأنه تفعيل دور الحكومة كعون اقتصادي إيجابي.
عديد المحللين لا يرون في تدخل الحكومة عبر الإنتاج الصغير جدوى، ولكن رؤية جديدة بدأت تتبلور عندما أثبتت تجربة الدول حديثة التحول إلى اقتصاد السوق محدودية قواعد السوق الحرة في خفض الأسعار بل ويعتبر الكثيرون أن انسحاب الدولة من الموضوع الاقتصادي كان في غير وجهته المناسبة. ولهذا عندما منع التشريع الإسلامي مبدأ التسعير عن الحاكم كان يقصد من ذلك منع خفض الأسعار من طرف التجار الذين يملكون مزايا تنافسية ويمارسون ذلك بالشكل الذي يطرد غيرهم من التجار من السوق - وهم التجار الذين لا تسمح لهم الأسعار المنخفضة بتغطية تكاليف التجارة - وبالتالي يقلل من عدد المتدخلين، أما في حالة الاحتكار فيكون على الدولة ضمان استقرار السوق كمسؤولية أخلاقية ووظيفية في نفس الوقت وبالآليات التي تراها أكثر نجاعة.
الشكوى على كافة الأصعدة
عندما يشكو الجميع من ظاهرة اقتصادية لا أحد يملك القدرة على الحد منها، فإن ذلك يعني خللا في منظومتنا التجارية يجب الكشف عنه بكل شفافية. فهل هي لوبيات منظمة وتمارس المبدأ الرأسمالي الشائع بين شركات الاحتكار الكبرى "الربح الاضافي"؟ أم هو المستهلك الذي يدفع بالطلب إلى حدود "الطلب الفعال" بغض النظر على السعر؟ أم هي الحكومة التي لا تملك من الفعالية الإدارية ما يسمح لها بتطبيق الرقابة على "المخزون" و"الوساطة"؟ أم هي المنظومة التشريعية التي أغفلت في سياق التقنين لاقتصاد السوق التقنين أيضا لحماية المستهلك؟ أم هي المنظومة الأخلاقية لمجتمع التجار والتي تشكلت ضمن التحول السريع من الاقتصاد الاشتراكي الى اقتصاد السوق؟ أم هي الاعتبارات النفسية والسوسيولوجية المرتبطة بالمواسم الدينية والأعياد؟ أم أن الأمر يعود الى تشكيلة القطاع التجاري وطبيعة المتدخلين في السوق في صلتهم بالإدارة؟
ومهما كانت العوامل التي تقف وراء الارتفاع المفاجئ للأسعار قبيل شهر رمضان، يبقى السؤال عن حدود مسؤولية كل طرف وما الذي يمكن عمله حتى لا يستمر شذوذ الجزائر عما يجري في العالم الإسلامي من ترتيبات لاستقبال واحد من الشهور العظيمة، أبرزها على الاطلاق تقديم خصومات للمستهلكين تصل في بعض الأسواق الى البيع بالأسعار الرمزية.
مواضيع مماثلة
» الأهـم في رمضان.. ونصر الأمة!.. ((اجعل رمضان انطلاقةً للنصر))
» للشباب فقط في رمضان
» حلويات رمضان
» لقد اقبل رمضان
» رمضان كريم
» للشباب فقط في رمضان
» حلويات رمضان
» لقد اقبل رمضان
» رمضان كريم
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى