تقييم النموذج الكينزي
طلاب جامعات الجزائر :: كليات :: منتديات كلية الإقتصاد Faculté des sciences économiques et gestion :: قسم الملخصات والدروس
صفحة 1 من اصل 1
تقييم النموذج الكينزي
تقييم النموذج الكينزي
لقد كانت النظرية العامة لكينز نتاجا لظروف تطور الرأسمالية خلال فترة ما بين الحربين و كانت في الحقيقة كنتيجة مباشرة لأزمة الكساد الكبير (1929-1933) ، ونظرا لاهتمامها بالتحليل الكلي و بالمخاطر التي تحدق بالرأسمالية نتيجة للتناقض بين الإنتاج و الاستهلاك ، و اقتراحها لبعض السياسات النقدية و المالية لعلاج مشكلات تصريف الإنتاج و البطالة ، فإنها سرعان ما وجدت قبولا واسعا لها بين الاقتصاديين .
و لكن تنبغي الإشارة إلى أن نشوة الانتصار الكنيزي التي تحققت في مجال الفكر الاقتصادي سرعان ما بدأت تتحول إلى أمر عادي، يستدعي الإمعان و الكشف عما به من نواقص و عيوب ، وهنا بدأ الكينزيون يكتشفون أن ثمة نقيضين تتسم بهما النظرية العامة أولى هاتين النقيصتين أن النظرية العامة لكينز هي نظرية خاصة بالأجل القصير فقط ومن ثم فهي لا تصلح لتفسير التطورات طويلة المدى، والنقيصة الثانية أن النظرية العامة قد اتسمت بطابعها الستاتيكي الساكن ومن ثم فهي لا تأخذ بعين الاعتبار حركة النظام الرأسمالي ومشكلاته ومستقبل النمو فيه وتوازنه عبر الزمن.
ويعود اكتشاف هذه النواقص التي اتسمت بها النظرية العامة إلى :
ظهور الأزمة الاقتصادية في الولايات المتحدة الأمريكية في فترة ما بعد الحرب في عام(1948- 1949) حيث هبط مستوى الإنتاج الصناعي بنسبة 15% وتدهور الاستثمار في تكوين رأس المال الثابت بنسبة 18.8% , وبيعت السلع بأرخص الأثمان وزاد حجم المخزون السلعي الغير مرغوب فيه بنسبة 12% ووصل عدد العمال العاطلين إلى3.4 مليون عاطل في سنة 1949 .
هذه الأزمة ادت إلى الحكم عن عجز النظرية الكينزية في حل الأزمات على المدى الطويل،بسبب افتقار جهازها التحليلي للبعد الزمني ،أي أنها عاجزة عن إيضاح لماذا يبتعد النظام الاقتصادي بين فترة و أخرى عن تحقيق التوازن الكلي المستقر.
- بالإضافة إلى تعاظم نمو النظام الاشتراكي عالميا بسبب النجاح الذي حققه آنذاك تطوير قوى الإنتاج،وتحقيق معدلات نمو مرتفعة،وهذا ما مثل تحديا للنظام الرأسمالي وأرغم عددا كبيرا من مفكريه على تعميق الاهتمام، بقضايا التراكم والنمو والتوازن عبر الزمن.
- زد إلى ذلك، طرح مشكلة التنمية الاقتصادية بالبلدان النامية حديثة الاستقلال. هذه العوامل الثلاثة كانت وراء اهتمام الكينزيين بقضية النمو طويل المدى للنظام الرأسمالي وهذا ما أدى إلى ظهور مرحلة جديدة عرفت باسم مرحلة نماذج النمو الكينزية، والتي أخذت البعد الزمني بعين الاعتبار.
وقبل عرض هذه النماذج التصحيحية، نقوم أولا بسرد أهم الانتقادات الموجهة للنظرية الكينزية، والتي تبلورت أساسا حول النقيصتين السابقتين.
نقد الطرح الكينزي للنظرية العامة :
ينبغي نقد النظرية الكينزية على ثلاث مستويات، مستوى أدوات التحليل المستعملة، ومستوى مفهوم التوازن الذي تدافع عنه النظرية ، وأخيرا مستوى السياسة الاقتصادية المقترحة .
1- مدى صلاحية أدوات التحليل المستعملة :كمثال لهذه الأدوات نأخذ دالة الاستهلاك
حيث وحسب القانون السيكولوجي لكينز، فإنه إذا ارتفع الدخل الجاري فإن هذه الزيادة في الدخل الجاري لن توجه كلها للاستهلاك أي عدم التناسبية بين الدخل و الاستهلاك،( الأجل القصير)
ولقد دحض هذا الطرح إحصائيا من قبل العديد من الاقتصاديين منهم:
أ- جيمس دوزمبري ونظرية الدخل النسبي: تلخص نظريته في أن الاستهلاك هو دالة تابعة للدخل النسبي (الدخل نسبة إلى دخول الأفراد الآخرين أو استهلاكهم ونسبته إلى الدخل السابق).
ولقد تمكن دوزمبري من تبيين أن مستوى استهلاك فرد ما لا يتغير فقط تبعا للدخل و لكن أيضا تبعا للمكانة التى يحتلها هذا الفرد في المجتمع الذي يعيش فيه، فإذا زاد دخله مثلا، فبدلا من تقلص استهلاكه النسبي بالادخار أكثر فإنه سيميل إلى زيادة الاستهلاك بهدف الوصول إلى مستوى معيشة استهلاكي يشابه مستوى المجموعة التي يرغب في تقليدها،وهذا ما يطلق عليه أثر التقليد فيما يتعلق بالاستهلاك .
ولقد إفترض دوزنبري بأن دالة الاستهلاك الكلي هي دالة تابعة للدخل الحالي الجاري ولأعلى دخل سابق أي:C=f (yc,ymax)
Yc: الدخل الجاري الحالي
Ymax: أعلى دخل سابق.
C: الاستهلاك الكلي.
وانطلاقا من هذه الدالة قام دوزمبري باستخراج دالة الميل الوسطي للاستهلاك كما يلي: (c/yc) = a+b(yc/ymax)
وهي تبين أن الميل الوسطي للاستهلاك APC ينخفض كلما ارتفعت نسبة الدخل الحالي إلى أعلى دخل سابق، وأن الميل الحدي للاستهلاك MPC ستكون أقل من A وتعتمد على هيكل توزيع الدخل الوطني.
و من خلال قيام دوزمبرى بدراسة العلاقة بين الاستهلاك الحقيقي و الدخل التصرفي الحقيقي استنتج ما يلي :
- إذا كان Yc اكبر من Ymax لكن الزيادة في الدخل الحالي هي زيادة مؤقتة ، فإن الفرد سيزيد من استهلاكه ولكن بنسبة أقل من الزيادة في الدخل أي أن هناك علاقة غير تناسبية بين الاستهلاك و الدخل.
- أما إذا كان Yc أكبر من Ymax ولكن الزيادة في الدخل الحالي هي زيادة دائمة فإن الفرد سيزيد من استهلاكه بنفس الزيادة في الدخل مما يعني أن هناك علاقة تناسبية بين الاستهلاك والدخل.
وبصفة عامة فقد خلص إلى أن العلاقة بين الاستهلاك والدخل تكون غير تناسبية في الأجل القصير (وهو نفس ما توصل إليه كينز)، أما في الأجل الطويل فهي تناسبية.
ب- نظرية الدخل الدائم ˝ملتون فريدمان˝:
التفسير الأخر المتعلق بعدم اتساق العلاقة بين الاستهلاك و الدخل في المدى القصير و المدى الطويل يتمثل في نظرية الدخل الدائم لميلتون فريدمان ، ويرى فريدمان مثل دوزمبري بأن هذه العلاقة في المدى الطويل هي تناسبية.
حيث يقول فريدمان بأن الاستهلاك في المدى الطويل يتحدد بتوقعات الأفراد لدخولهم المستقبلية
وبشكل عام يمكن تلخيص نظرية الدخل الدائم لفريدمان كما يلي :
Cp = kyp 1
Yc = yp+yt 2
Cc = cp +ct 3
المعادلة (1) تشير إلى أن الاستهلاك الدائم أو المخطط للفرد (cp) هو عبارة عن نسبة ماk) ) من دخله الحقيقي الدائم أو المخطط (yp) ، و هو يعتمد أي K على مغيرات متعددة مثل معدل الفائدة ، الثروة غير بشرية إلى الثروة الكلية، العمر، الذوق، الجنس....إلـــــخ
ولقد افترضه ثابتا نسبيا ومستقلا عن الدخل الدائم.
المعادلة ( 2) تبين الدخل الجاري (yc) خلال فترة زمنية معينة يتكون من شقين:
- دخل دائــــــم.
- دخل عـابر(غير متوقع).
المعادلة (3) تبين أن الاستهلاك الجاري مؤلف من مجموع الاستهلاك الدائم (cp)
والاستهلاك العابر(ct).
يفترض فريدمان في الأجل الطويل وجود علاقة خطية تناسبية بين الدخل والاستهلاك وتكون بين yp و cp وعلى هذا الأساس وضع فريدمان الافتراضات التالية:
• غياب الارتباط بين yt و yp.
• غياب الارتباط بين ct و cp.
• غياب الارتباط بين ct و yt ، واستنادا إلى هذه الفرضية فإن :
التغير Δyt)) سواء بالزيادة أو النقصان ليس لها أي تأثير على الاستهلاك بشكل عام معنى هذا أن الميل الحدي للدخل المؤقت (YT = 0).معدوم ، ( ΔCT/ΔYT)0 =
بعد إجراء التعويضات على المعادلات الثلاثة توصل فريدمان إلى المعادلة النهائية التالية:
CC =K{YC - YT}+CT ………4
هذه المعادلة تشير إلى أن الاستهلاك الجاري (الحالي) هو عبارة عن جزء من الفرق بين الدخل الحالي (الجاري) والدخل المؤقت (العابر) زائد احتمال حدوث استهلاك مؤقت قد يكون إيجابي وقد يكون سلبي.
ويفترض فريدمان أنه في الأجل الطويل العناصر المؤقتة الدخل والاستهلاك ستزيل بعضها، مثلا الشيء الذي يربحه الإنسان في الرهان سيزيل الخسارة التي يسببها إنسان آخر بسبب السرقة والاستهلاك الإيجابي لشخص ما سيزيل الاستهلاك السلبي لشخص آخر ،لهذا تصبح المعادلة على الشكل التالي :cc = kyc
هذه الدالة تشبه دالة الاستهلاك للفترة الطويل CL =byd :
أي توصل فريدمان إلى أن العلاقة بين الاستهلاك والدخل في الأجل الطويل تناسبية ، أما في الأجل القصير العناصر المؤقتة للدخل والاستهلاك تختلف عن الصفر.
إنطلاقا من المعادلة (4) نقوم باستنتاج معادلة الميل الوسطي للاستهلاك كما يلي :
(c/y) =( ky/y) –(kyt/y) +(ct/y).
(c/y) = k –k( yt/y) + (ct/y).
وحسب فريدمان إذا كان الاقتصاد في حالة رواج مع ثباتct وبافتراض نمو متناسب
yوyt ، و بالتالي هنا تكون العلاقة بين الميل الوسطي و المقدار ct/y حيث أن هذا المقدار متناقض ، و مادام أن هذا الأخير متناقض فإن العلاقة غير تناسبية .
جـ- نظرية دورة الحياة : تنص هذه النظرية التي قدمها كل من " موديغلياني" و "أندو" بأن المستهلك يرغب في توزيع موارده بشكل يمكنه من المحافظة على نفس المستوى الاستهلاكي تقريبا في كل سنة من سنوات حياته حيث نجد أن الإنسان عندما يكون شابا في بداية حياته الوظيفية يستهلك كثيرا( زواج ، شراء سيارة ، شراء بيت ... إلخ ) حيث في بعض الحالات نجد أن استهلاكه يفوق دخله ( يقترض) لكن عندما يصبح في متوسط عمره ( 40-50) فأنه يصبح يدخر أكثر و هذا حتى يتمكن من المحافظة على نفس مستوى الاستهلاك بعد التقاعد، حيث بعد تقاعده سوف يستعمل مدخراته إلى أن يموت .
تفترض هذه النظرية أنه في الفترة الزمنية T فإن الفرد سيمتلك كمية معينة من الثروة الاسمية W كما تفترض أن كل فرد يمكنه معرفة دخله الجاري ( الحالي) في تلك الفترة الزمنية ( (yt (الدخل الناتج عن العمل) كما يعرف أيضا القيمة الحالية للدخل المتوقع في المستقبل vT (الدخل المتوقع الناجم عن العمل ) ، و عليه فإن دالة الفرد الاستهلاكية حسب هذه النظرية هي:
CT = a1 yt+ a2 vt+ a3 wt .............. 1
حيث a1،a2، a3 ثوابت وهي تعتمد على العمر و متوسط الحياة .
a3: محصورة بين 0 - 1
a2: محصورة بين 0 – 1
a1 : أكبر من الصفر
إذا أخذنا المعادلة 1 على المستوى الكلي نجد دالة الاستهلاك الكلية كما يلي :
CT = A1 yt+ A2 vt+ A3 wt ...............2
و من هذه المعادلة 2 نجد أن الميل الوسيطي للإستهلاك APC
APC = YtA1/ Yt + VtA2/ Yt + WtA3/ Yt
و إذا افترضنا أن Yt و Vt سيتغيران بنفس النسبة فهذا يعني أن APC سيعتمد فقط على المقدار Yt /Wt ، و في المدى القصير و خلال فترة ارتفاع الدخل فإننا نتوقع انخفاضا في هذا المقدار حيث أن الثروة لن تتغير عادة في الأجل القصير و العكس صحيح .
و لهذا نستنتج أن العلاقة بين الاستهلاك و الدخل في المدى القصير هي غير تناسبية أما في المدى الطويل فإن النسبة Yt /Wt ستكون تقريبا ثابتة أي التغير في الثروة و الدخل سيكون بنفس النسبة و الاتجاه مما يؤدي إلى ثباتAPC و هذا يعني أن العلاقة بين الدخل و الاستهلاك تناسبية في الأجل الطويل .
ومن جهة أخرى فقد لام البعض "كينز" لعدم أخذه في الاعتبار المتغيرات الأخرى بخلاف الدخل لتغير مستوى الاستهلاك مثل: اعتبارات تنبؤات المستهلكين حول المستويات المستقبلية للدخول و الأسعار أو حالة وضعيهم المالية .... الخ .
نقد النظرية الكينزية لسعر الفائدة:
يمكن القول بأن الرغبة التي دفعت كينز للتخلي عن النظرية الكلاسيكية الجديدة في معدل الفائدة قد أدت به إلى عرض نظرية أقل إقناعا عن نظرية سابقيه، فطبقا للكلاسيك الجدد تنتج الفائدة عن مسار سوق راس المال وتؤمن التوازن بين عرض وطلب الادخار، وبالنسبة لكينز ينتج معدل الفائدة من تحرك متغيرين مستقلين،هما تفضيل السيولة والكمية المعروضة من النقود، ولقد كتب كينز: " إن سعر الفائدة ليس هو السعر الذي يحقق توازن طلب موارد الاستثمار وقابلية الامتناع عن الاستهلاك المباشر، بل هو الذي تتفق عنده الرغبة في إبقاء الثروة في شكل سائل مع كمية العملة المتاحة ".
ولقد تبنى كينز هذا الموقف لهدف واحد، هو إثبات إن سعر الفائدة يتحدد خارج سوق رأس المال و إلا فقد كان سيضطر لقبول بأن الادخار يستثمر آليا، أي أن كينز يريد جعل سعر الفائدة ظاهرة نقدية لا علاقة لها مع مردود رأس المال ولا مع مستوى الادخار.
وإجمالا ، نظرا لأن النظرية الكنزية لسعر الفائدة لا تبرهن على استقلال عرض النقود ولا على الإرغام الذي بفرض تفضيل السيولة، فأنها تضل نظرية لا تفسر طبيعة معدل الفائدة ، وهذا السؤال غالبا ما وجه لكينز، ما الذي يفسر المعدل العادي للفائدة؟ و ما هي القوى التي تحدد هذا المستوى من معدل الفائدة؟.
ولمعرفة ذلك، فإنه يلزم تحليل دوافع مقترضي الأموال: إنهم يقترضون النقود بهدف تراكم رأس المال أي لتحقيق ربح معين، وسيقبلون اقتراض النقود بشرط ألا يزيد سعر الفائدة الذي سيدفعونه على نسبة معينة من معدل الربح، ولهذا السبب فإنه من الخطأ القول كما قال كينز بأن معدل الفائدة المرتفع يشكل عائقا أمام تراكم رأس المال، فإنه لن يحدث ذلك إذا صاحب ارتفاع سعر الفائدة ارتفاعا في معدل الربح، وعلى عكس ذلك فإن أي تخفيض لسعر الفائدة لن يؤدي إلى تعاظم التراكم طالما أن معدل الربح نفسه يكون منخفضا جدا، وهذا هو السبب الذي يجعل أطروحة كينز عن دالة معدل الفائدة معرضة للنقد .
وضمن منظور النظرية العامة فإن الهبوط في معدل الفائدة يؤدي إلى زيادة تدفق الاستثمارات الجارية، هذا المنظور للنظرية أثبت أنه غير صالح من الناحية التجريبية فقد لوحظ خلال عدة عهود أن انخفاضا هاما في معدل الفائدة لم يسبب ارتفاعا في مستوى الاستثمار ،فقد نشرت "لجنة توظيف النظام النقدي " في إنجلترا تقريرا اعترفت فيه بأن التقنيات الحديثة التي ترمي إلى تغيير سعر الفائدة ليست كافية لتنشيط الاقتصاد، ولهذه الملاحظة التجريبية أساس نظري متين ،فمن الواضح بالفعل أن أي تغير في سعر الفائدة لا يسبب بنفسه تغييرا في حجم الاستثمار، إذ أن هذا الأخير يتوقف أساسا على تطور معدل الفائدة، ولا نجد في طرح كينز تفسيرا لتطور معدل الربح .
ادعاء كينز بان الاستثمار هو محرك ،وحجم الادخار هو عنصر، أدى به إلى استنباط أن حجم الادخار لا يدخل بأي شكل في تثبيت معدل الفائدة، وهذا ما يعاب على كينز، حيث أن القبول بصحة فكرة أن الاستثمار والربح يشكلان المحرك للتراكم، لا يدعو إلى إهمال حجم الادخار على مستوى تمويل التراكم ، حيث أن معدل الفائدة في المدى الطويل سيتوقف على حجم الأموال المعروضة في السوق أو المتوفرة في المصارف، إذن حجم الادخار يلعب دورا في تثبيت سعر الفائدة، حيث أن الادخار المكثف يشكل حافزا للاستثمار كما أنه يموله بتكلفة منخفضة.
2. مفهوم التوازن عند كينز قابل للنقد:
من خلال وقوفنا على الأدوات التي استخدمها كينز في تحليله ،والانتقادات التي وجهت له بخصوصها، والتأكد من ضعف هذه الأدوات التي استعملها كينز لبناء توازن العمالة والدخل ،فكيف نستطيع التأكد من مستوى التوازن والعمالة يتعلق بهذه الأدوات؟
ويمكن تقديم انتقادات أخرى ضمن بنية هذا التوازن نفسه حيث وبتفحصنا للطريقة التي حلل بها كينز العرض الإجمالي نجد أ ن مفهومه ليس واضحا حيث يقول كينز: " أما سعر العرض الإجمالي هو الناتج المنتظر الذي يكفي تماما كي يعتقد المستحدثون أن الأمر يستحق عرض هذا الحجم من الاستخدام "
هذه العبارة لا تخلو من الغموض، يمكن أن تعني أنه بالنسبة لكل مستوى من العمالة تقرر المؤسسات (بناءا على تكلفة الإنتاج التي تتحملها)، إضافة هامش ربحي بهدف مكافأة رؤوس أموالها. وسيكون هذا بشكل ما الربح الذي تقدر المؤسسات أنه كاف، ولاشك أن يفترض عند ذلك أنّ المؤسسات تملك سلطة تثبيت أسعار بيع منتجاتها، والسؤال الأساسي هنا ما هو المعيار الذي يقدمه كينز عن الربح الكافي؟ ذلك أن مسألة مستوى الربح الكافي هي مسألة حاسمة لتحديد مستوى العمالة والدخل.
بالنسبة لأجر معين¬ (تنمو الكتلة الأجورية نسبيا مع نمو مستوى العمالة).وبالنسبة لطلب إجمالي معين يتعلق مستوى الاستخدام بالربح المعتبر كافيا، ومنه ومن أجل نفس مستوى الطلب الفعلي، ينتقل حجم العمالة طبقا لما ترغب المؤسسة في تحقيقه من ربح مرتفع أو منخفض، ومنه تجب معرفة من الذي يحدد الربح الكافي.
ولمعرفة ذلك فإننا نضطر أن نخرج من مجال التحليل الكينزي نفسه، بالقول أن الربح الكافي يتعلق بصراع الطبقات (إن الربح الكافي هو ذلك الربح الذي ينتج في فترة معينة من الصراع بين العمال الذين يرغبون في زيادة أجرهم ضمن إطار نظام معين للأسعار و الرأسماليين الذين يرغبون في زيادة ربحهم ).
3.نقد السياسة الاقتصادية المقترحة :
لقد رأينا أن التحليل الكينزي للعمالة يؤدي منطقيا إلى اختيار الدولة لسياسة مالية ولميزانية ناجعة. والسؤال المطروح هنا هل هذه السياسة الاقتصادية ممكنة ؟ وهل هي فعالة ؟
1.3 إمكانية السياسة الاقتصادية :
لقد طبقت السياسات الاقتصادية الكنزية في كل الدول و على الأخص في الولايات المتحدة الأمريكية. ولقد تبنت الحكومات إجراءات التشجيع الاقتصادي و المساندة في الطلب العام، وظلت هذه السياسات الاقتصادية تطرح بعض المشاكل على مستوى التمويل و الاستخدام الكامل.
على مستوى التمويل، إذا اتفق الرأسماليون على مستوى مرتفع للنفقات العامة والذي يكون مربحا لهم، فانه لن يكون من السهل بالنسبة للدولة أن تحصل منهم عن طريق الضرائب و القروض، على وسائل تمويل هذه النفقات العامة، و على الدولة في معظم البلدان الرأسمالية أن تلتجئ إذن إلى الخلق النقدي لتمويل هذه النفقات، و النتيجة تكون ضغطا مستمرا يؤدي إلى رفع الأسعار أي إلى التضخم المالي .
وعلى مستوى سوق العمل، ليس من المؤكد أن تتدخل الدولة دائما لصالح دعم العمالة الكاملة و في الواقع يشكل الاستخدام الكامل لقوى العمل من وجهة نظر الرأسماليين شرطا موضوعيا غير ملائم للمفاوضات الأجورية، وبناء على ذلك فإن هناك تناقضا من وجهة نظر الطبقة الرأسمالية بين الهدف الذي تنشده الدولة، وهو مساندة الطلب الفعلي، و بين مصالح الطبقة الرأسمالية في ميدان سوق قوى العمل والذي يتمثل في إبقاء هامش للبطالة يسمح بتثبيت الأجور.
2.3.فعالية السياسات الكينزية :
رأينا سابقا أن تدخل الدولة يكون محدودا دائما بأخطار التضخم والتوتر في سوق قوة العمل، وحتى مع افتراض عدم وجود هذه الحدود، فهل بالامكان استنباط فعالية كاملة للسياسة الاقتصادية الكينزية ؟
ولمعرفة ذلك يكفي فهم أنّ تقدم تراكم راس المال الذي يسمح به تدخل الدولة يطرح عاما بعد عام مشكلة استعمال الأرباح المحققة خلال المرحلة السابقة. وبالفعل إن تدخل الدولة لا يغير بشكل أساسي ديناميكية النظام الاقتصادي وتناقضاته، وكل ما يعمله هو تأخير إنتاج آثاره.
وعلى سبيل المثال لو ساندت الدولة تراكم رأس المال في القطاع الاحتكاري ،فإن تدخلها يسمح لمؤسسات هذا القطاع بتحقيق أرباح جوهرية .
إن مشكلة فرص الاستثمار بالنسبة لمعدل ربح معين ستظل مطروحة على صعيد أوسع ،بافتراض أن الشركات الكبرى تتوصل إلى تراكم لرأس المال، في معدل ربح يعتبر كافيا في هذا القطاع وذلك بفضل سياسة الدولة، فإن المشكلة ستطرح في المرحلة التالية، أي أن كل مرحلة تطرح على المؤسسة مشكلة استعمال أرباحها الجديدة. فإذا كان لمؤسسة ما 100مليون دولار لاستثمارها، فإنها لا تقرر استثمارها بناءا على مقارنة المعدلات الحالية للأرباح في مجال نشاطها فحسب، بل إن عليها تحليل أثر ذلك على معدلات الأرباح لهذا الإنتاج الإضافي مع اعتبار الطلب، ويمكن لهذا التحليل أن يدفعها إلى العزوف عن هذا الاستثمار. وبهذا الشكل فإنّ هناك ميلا شديدا للركود في الرأسمالية، ولا تستطيع أي سياسة حكومية كانت أن تلغيه نهائيا. ويظل هذا الركود معلنا في شكل بطالة وقدرات إنتاج غير مستخدمة، وما يمكن قوله هنا هو أنّ السياسات الكنزية فشلت في حل تناقضات النظام، وفيما يتعلق بالسياسة التجارية التي يقترحها الكينزيون، والتي تتمثل في مراقبة الواردات وتنمية الصادرات فإنّ لها ما يحد منها في السياسات التجارية للدول الأخرى، فلن توافق أي دولة أن يحدّ من صادراتها لأي دولة أخرى دون أن تراقب نفسها الواردات.
نماذج النمو:
من بين أهم النماذج هناك ثلاثة مهمة، هي نموذج " هارود " ونموذج "كالدور" ونموذج "جوان روبنسون"، وسوف نحاول من خلال ما يأتي الإشارة إلى جوهر النتائج التي توصل إليها أصحاب هذه النماذج فيما يخص النمو والتوازن والتوظيف.
.1 نموذج هارود : يعتبر الاقتصادي البريطاني " روي ف. هارود" من الأوائل الذين طوروا الفكر الكينزي في مجال نماذج النمو ، ولقد كانت المشكلة الرئيسية لدى هارود هي البحث في ذلك المعدل الذي يتعين أن ينمو به الدخل القومي على المدى الطويل ، حتى يمكن المحافظة على التوظيف الكامل وتجنب حدوث البطالة والكساد ، ولقد انطلق هارود من الافتراضات التالية :
• إن الادخار يمثل نسبة ثابتة من الدخل القومي ، وقد افترض أن دالة الادخار تشمل كلا من الادخار الحدي والادخار المتوسط.
• إن الاستثمار دالة للتغير في مستوى الدخل وأن التغير في الدخل يعتمد على المعجل الذي يوضح تلك العملية والتي بموجبها تؤدي التغيرات في الطلب على السلع الاستهلاكية إلى تغيرات بنسبة أكبر في الطلب على المعدات الإنتاجية المستخدمة في إنتاجها
• إن هناك تطابقا بين الاستثمار و الادخار المتحققين باعتبار أن ذلك شرطا توازنيا، وأنه إذا اختل هذان المتغيران فلا بد أن يطرأ اختلال على التوازن الاقتصادي العام ، حيث يحدث تضخم (في حالة زيادة الاستثمار على الادخار ) أو بطالة وركود (في حالة العكس) .
النمو في الدخل يساوي معدل الادخار مقسوما على معامل المعجل (معدل النمو المرغوب فيه)
Gw = S/v
حيث S : الادخار .
V : المعجل
Gw: معدل النمو
وبما أن الادخار المتحقق يتعادل دائما مع الاستثمار المتحقق ، فإن مستوى الدخل والمستوى القايل للادخار يحددان كمية الاستثمار المتحقق ، ولكن لما كان الادخار المقدر والمتحقق يتحددان بمستوى الدخل وأن الاستثمار المقدر يتحدد بالتغير في مستوى الدخل ، لذلك فإن الاستثمار المقدر يساوي الادخار المتحقق ، وحينها فإنه لن يكون لدى رجال الأعمال أي جافز لتغيير خططهم الإنتاجية والاستثمارية، لأن الدخل هنا ينمو عند المعدل المرغوب فيه.
أما إذا افترضنا أن النمو المتحقق للدخل أقل من النمو المرغوب فيه، ففي هذه الحالة سيكون الاستثمار المقدر أقل من الادخار المتحقق والاستثمار المتحقق، وعندها تنشأ مشكلة تراكم في المخزون السلعي غير المرغوب فيه، مما يدفع رجال الأعمال إلى الزيادة في إنتاجهم بمعدل أقل مما كان يحدث في الفترة السابقة، وهنا تظهر بطالة وطاقة عاطلة.
في حين إذا كان معدل النمو الفعلي أكبر من معدل النمو المرغوب فيه، فإن الاستثمار المقدر يكون قد نجاوز الاستثمار المتحقق والادخار المتحقق ، وهنا ينخفض المخزون السلعي بسرعة ويدرك رجال الأعمال أنهم لم يعملوا على زيادة الإنتاج بالمعدلات الكافية لمواجهة الطلب الأمر الذي قد يرفع من الأسعار.
وفي ما بين معدل النمو الفعلي ومعدل النمو المرغوب فيه ، اقترح هارود وجود معدل نمو ثالث هو معدل النمو الطبيعي والمقصود به هو أقصى معدل للنمو تسمح به عمليات تراكم رأس المال ، والنمو في القوى العاملة ، والتحسينات التكنولوجية والذي عنده يتحقق التوظيف الكامل وطبقا لنموذج هارود فإن الوضع الأمثل يتحقق عند تساوي معدلات النمو الثلاثة مع بعضها ، وقد اقترح هارود لضمان الوصول إلى هذا الوضع مجموعة من السياسات المالية والنقدية وهي سياسات ذات طابع كينزي
.2 نموذج كالدور : ينتمي " نيكولاس كالدور " إلى مدرسة كامبردج وقد شكلت أفكار كالدور (ومعه جوان روبنسون) ما اصطلح عليه بنظرية النمو والتوزيع لما بعد كينز ، وقد تميزت هذه النظرية بخلوها من أفكار الحديين التي تنص على أن دخل أي عنصر من عناصر الإنتاج يعادل إنتاجيته الحدية ، كما تخلوا أيضا من أفكار النيوكلاسيك التي كانت تشير إلى أن النمو يتحدد بمجرد وفرة الموارد وسرعة التقدم التكنولوجي كما أن تلك النظرية تولي تراكم رأس المال والميل للادخار وعلاقة ذلك بتوزيع الدخل أهمية محورية في تغيير النمو.
ولقد انطلق " كالدور " من فكرته الأساسية التي تقول أن معدل النمو يتوقف على معدل التراكم ومعدل التراكم يتوقف على الادخار وهذا الأخير يتحدد بناء على ميل طبقات المجتمع للادخار ، ونظرا لأن الطبقة الرأسمالية وهي ذات دخل أعلى لها ميل مرتفع للادخار ، بينما يكون ميل الطبقة العاملة منخفضا فإن شكل توزيع الدخل يحدد في النهاية معدل النمو، وهكذا فإن نقطة البداية عند كالدور هي الارتباط الوثيق بين النمو والتراكم من ناحية وتوزيع الدخل القومي من ناحية أخرى ، ولقد اعتبر كالدور أن معدل النمو وتوزيع الدخل أمران مرتبطان ، حيث أن معدل التراكم الذي يحدد – في النهاية – معدل النمو يتوقف على نصيب الأرباح من الدخل القومي ومن هذا الإطار انطلق "كالدور" يحلل مسألة التوازن الاقتصادي في الأجلين الطويل والقصير وذلك من خلال آليات توزيع الدخل القومي وما تحدثه هذه الآليات من آثار ، وذلك على النحو الذي يجعل النظام قادرا على استعادة توازنه واستقراره وبشكل تلقائي.
فإذا حدث على سبيل المثال اختلال في الأجل القصير ، بأن كان الاستثمار أكبر من الادخار عند مستوى التوظيف الكامل ، فإن محصلة ذلك هي ارتفاع عام في الأسعار وبشكل أعلى من ارتفاع الأجور ،وهنا يتغير توزيع الدخل لمحصلة كاسبي الأرباح في حين ينخفض نصيب الأجور من الدخل وتكون نتيجة ذلك زيادة الادخار(نتيجة ارتفاع الميل للادخار عند كاسبي الارباح) وعندئذ يتساوى الادخار والاستثمار ويتحقق التوازن.
أما إذا كان الادخار اكبر من الاستثمار فان المستوى العام للأسعار يتجه إلى الانخفاض، وبسرعة اكبر من سرعة هبوط الأجور. وفي هذه الحالة ينخفض الادخار القومي بسبب انخفاض الحصة النسبية لكاسبي الأرباح، إلى أن يتساوى مع الاستثمار القومي ويتحقق التوازن ،وهذا يعرف بمصطلح "اثر كالدور".
أما في الأجل الطويل، فانه بفرض ثبات معدل الادخار الإجمالي وثبات معامل راس المال،فان زيادة معدل النمو تتطلب زيادة معدل التراكم وهو ما يتطلب إعادة توزيع الدخل لمصلحة كاسبي الأرباح.
3.نموذج جوان روبنسون:
تعتبر جوان روبنسون من أهم الشخصيات المعاصرة في الفكر الاقتصادي الرأس المالي ،ويصنفها الكثيرون ضمن ما يسمي باليسار الكينزي ،وهي على وجه الإجمال تنتقد الفكر الكلاسيكي، وتأخذ عليه تمسكه بفكرة التوازن الخالية من المعنى ، كما أنها لا تعتقد في صحة ما يذهب إليه هذا الفكر في مجال القيمة ، وتعارضه في النظر إلى النمو على انه بمنزلة تيار من التوازنات الاقتصادية الناجمة عن الاختلالات الإبداعية التى يحدثها التقدم التكنولوجي، ورغم أن روبنسون تبدي تقديرها التام لأستاذها كينز، إلا أنها لم تقبل النظرية العامة دون تحفظات، فهي تعتقد ان هناك عيبا في هذه النظرية يتمثل في افتراض كينز لفاعلية نظام السوق وقوى العرض والطلب وإهماله لقوة الاحتكارات في النظام الراس المالي .
وقد حاولت في كتابها الشهير "تراكم راس المال"(1956) البحث عن تناقضات النظام الرأسمالي و الكشف عن مواقع الضعف فيه مع إدخالها سيطرة الاحتكارات في صلب التحليل وكانت المشكلة الأساسية التي تبحث عن إجابة لها في نموذجها تتمثل فيما يلي :
إذا كان معدل التراكم الرأسمالي أساسيا لتحديد معدل النمو واستيعاب منجزات التقدم التكنولوجي وبشكل مستمر ، فما هو ذلك المعدل الأمثل الذي يكفل توزيع الدخل القومي على نحو يضمن استمرار النمو في الطلب الكلي وبشكل يجاري النمو في الإنتاج ويحقق التوظيف الكامل؟وكيف يمكن أن يضمن النظام لنفسه هذا التوزيع وعبر أي الآليات يمكن تحقيق هذا ؟
ولقد انطلقت "روبينسون"في نموذجها من الفروض التالية :
1.ان الاقتصاد القومي يتشكل من قطاعين ،و أولهما ينتج سلع ووسائل الإنتاج والثاني ينتج السلع الاستهلاكية.
2.ثبات الفن التكنولوجي، ومن ثم ثبات المعاملات الفنية للإنتاج .
3.إن معدل الاستثمار هو المتغير الخارجي الأكثر أهمية في تحقيق النمو .
وطبقا لتحليل (روبينسون) تتمثل المشكلة الرئيسية للنظام الرأسمالي في غياب المنافسة الكاملة وتدهور معدلات الأجور الحقيقية وقصور الطاقة الشرائية للأفراد، ومن خلال تحليلها الموسع توصلت إلى انه في حالة ثبات التقدم التكنولوجي وسيادة الاحتكار ،فان عملية إعادة الإنتاج الموسع ، ومن ثم النمو الاقتصادي ،يكون أمرا ممكنا من الناحية النظرية فقط على حساب تخفيض معدل الأجر الحقيقي ولكن تخفيض هذا الأخير لا يلبث أن يؤدي إلى تخفيض الطلب الاستهلاكي، الذي يؤثر بدوره في عملية التراكم (أي إنتاج وسائل الإنتاج)، ومن هنا ينخفض معدل الربح، ويسود التشاؤم بين رجال الأعمال وتظهر البطالة، وتلك في نظر "روبنسون" هي معضلة النظام الرأسمالي (هي نفسها النتيجة التي توصل إليها الاقتصاديون الكلاسيك) أما إذا سادت حالة المنافسة،فإنه يكون من الممكن التغلب على تناقضات إعادة الإنتاج الموسع بسبب اتجاه الأجور للتزايد مع تزايد إنتاجية العمل، وفي هذا السياق تقول "روبنسون" إذا كان التقدم الفني حياديا،وظل هكذا بشكل مستمر، وبقيت مراحل الإنتاج كما هي، وظلت آلية المنافسة تعمل بشكل فعال، فإن القوى العاملة من الممكن أن تجد لها فرصا منتجة للعمل، حتى لو افترضنا أن السكان سيميلون للتزايد بشكل مستمر، وذلك لأن معدل التراكم سوف يستمر بوتيرة معينة وسيظل معدل الربح ثابتا على المدى الطويل، كما أن مستوى الأجر الحقيقي سوف يميل للتزايد مع الارتفاع الذي يطرأ على إنتاجية العمل وبهذا الشكل لن تكون هناك تناقضات داخلية في النظام.
وترى روبنسون أن الاحتكار مشكلة تؤخر النظام الرأسمالي وتشده إلى الركود والبطالة، ففي حالة الاحتكار يمكن لمعدلات الربح أن تتزايد، ليس نتيجة لمعدلات التراكم المرتفعة. بل نتيجة لقدرة المحتكرين على رفع الأسعار،وهنا فان زيادة الدرجة الاحتكارية غالبا من تؤدي إلى ارتفاع نصيب الأرباح من الدخل القومي ،على حساب تدني نصيب عنصر العمل ،مما يؤدي إلى خفض الطلب الاستهلاكي الكلي وإعاقة تصريف المنتجات ومن ثم الركود، ولهذا تعتقد روبنسون أن نضال نقابات العمال لزيادة الأجور، ونجاحها في ذلك، يعوقان ظهور الميل نحو الركود والبطالة، أما في حالة المنافسة فالأمر يختلف لأنها تعتقد أنه في هذه الحالة يوجد توافق بين الأسعار والتكاليف، وأن الأجور ترتفع مع ارتفاع الإنتاجية وتوحي روبنسون من وراء ذلك أنه في حالة المنافسة لن توجد مشكلة خاصة بنقص حجم الطلب الفعال، ولا بانعدام الحوافز للتراكم وتحقيق التقدم التكنولوجي، نظرا لأن النظام في حالة توازن مصحوب باستقرار سعري.
لقد كانت النظرية العامة لكينز نتاجا لظروف تطور الرأسمالية خلال فترة ما بين الحربين و كانت في الحقيقة كنتيجة مباشرة لأزمة الكساد الكبير (1929-1933) ، ونظرا لاهتمامها بالتحليل الكلي و بالمخاطر التي تحدق بالرأسمالية نتيجة للتناقض بين الإنتاج و الاستهلاك ، و اقتراحها لبعض السياسات النقدية و المالية لعلاج مشكلات تصريف الإنتاج و البطالة ، فإنها سرعان ما وجدت قبولا واسعا لها بين الاقتصاديين .
و لكن تنبغي الإشارة إلى أن نشوة الانتصار الكنيزي التي تحققت في مجال الفكر الاقتصادي سرعان ما بدأت تتحول إلى أمر عادي، يستدعي الإمعان و الكشف عما به من نواقص و عيوب ، وهنا بدأ الكينزيون يكتشفون أن ثمة نقيضين تتسم بهما النظرية العامة أولى هاتين النقيصتين أن النظرية العامة لكينز هي نظرية خاصة بالأجل القصير فقط ومن ثم فهي لا تصلح لتفسير التطورات طويلة المدى، والنقيصة الثانية أن النظرية العامة قد اتسمت بطابعها الستاتيكي الساكن ومن ثم فهي لا تأخذ بعين الاعتبار حركة النظام الرأسمالي ومشكلاته ومستقبل النمو فيه وتوازنه عبر الزمن.
ويعود اكتشاف هذه النواقص التي اتسمت بها النظرية العامة إلى :
ظهور الأزمة الاقتصادية في الولايات المتحدة الأمريكية في فترة ما بعد الحرب في عام(1948- 1949) حيث هبط مستوى الإنتاج الصناعي بنسبة 15% وتدهور الاستثمار في تكوين رأس المال الثابت بنسبة 18.8% , وبيعت السلع بأرخص الأثمان وزاد حجم المخزون السلعي الغير مرغوب فيه بنسبة 12% ووصل عدد العمال العاطلين إلى3.4 مليون عاطل في سنة 1949 .
هذه الأزمة ادت إلى الحكم عن عجز النظرية الكينزية في حل الأزمات على المدى الطويل،بسبب افتقار جهازها التحليلي للبعد الزمني ،أي أنها عاجزة عن إيضاح لماذا يبتعد النظام الاقتصادي بين فترة و أخرى عن تحقيق التوازن الكلي المستقر.
- بالإضافة إلى تعاظم نمو النظام الاشتراكي عالميا بسبب النجاح الذي حققه آنذاك تطوير قوى الإنتاج،وتحقيق معدلات نمو مرتفعة،وهذا ما مثل تحديا للنظام الرأسمالي وأرغم عددا كبيرا من مفكريه على تعميق الاهتمام، بقضايا التراكم والنمو والتوازن عبر الزمن.
- زد إلى ذلك، طرح مشكلة التنمية الاقتصادية بالبلدان النامية حديثة الاستقلال. هذه العوامل الثلاثة كانت وراء اهتمام الكينزيين بقضية النمو طويل المدى للنظام الرأسمالي وهذا ما أدى إلى ظهور مرحلة جديدة عرفت باسم مرحلة نماذج النمو الكينزية، والتي أخذت البعد الزمني بعين الاعتبار.
وقبل عرض هذه النماذج التصحيحية، نقوم أولا بسرد أهم الانتقادات الموجهة للنظرية الكينزية، والتي تبلورت أساسا حول النقيصتين السابقتين.
نقد الطرح الكينزي للنظرية العامة :
ينبغي نقد النظرية الكينزية على ثلاث مستويات، مستوى أدوات التحليل المستعملة، ومستوى مفهوم التوازن الذي تدافع عنه النظرية ، وأخيرا مستوى السياسة الاقتصادية المقترحة .
1- مدى صلاحية أدوات التحليل المستعملة :كمثال لهذه الأدوات نأخذ دالة الاستهلاك
حيث وحسب القانون السيكولوجي لكينز، فإنه إذا ارتفع الدخل الجاري فإن هذه الزيادة في الدخل الجاري لن توجه كلها للاستهلاك أي عدم التناسبية بين الدخل و الاستهلاك،( الأجل القصير)
ولقد دحض هذا الطرح إحصائيا من قبل العديد من الاقتصاديين منهم:
أ- جيمس دوزمبري ونظرية الدخل النسبي: تلخص نظريته في أن الاستهلاك هو دالة تابعة للدخل النسبي (الدخل نسبة إلى دخول الأفراد الآخرين أو استهلاكهم ونسبته إلى الدخل السابق).
ولقد تمكن دوزمبري من تبيين أن مستوى استهلاك فرد ما لا يتغير فقط تبعا للدخل و لكن أيضا تبعا للمكانة التى يحتلها هذا الفرد في المجتمع الذي يعيش فيه، فإذا زاد دخله مثلا، فبدلا من تقلص استهلاكه النسبي بالادخار أكثر فإنه سيميل إلى زيادة الاستهلاك بهدف الوصول إلى مستوى معيشة استهلاكي يشابه مستوى المجموعة التي يرغب في تقليدها،وهذا ما يطلق عليه أثر التقليد فيما يتعلق بالاستهلاك .
ولقد إفترض دوزنبري بأن دالة الاستهلاك الكلي هي دالة تابعة للدخل الحالي الجاري ولأعلى دخل سابق أي:C=f (yc,ymax)
Yc: الدخل الجاري الحالي
Ymax: أعلى دخل سابق.
C: الاستهلاك الكلي.
وانطلاقا من هذه الدالة قام دوزمبري باستخراج دالة الميل الوسطي للاستهلاك كما يلي: (c/yc) = a+b(yc/ymax)
وهي تبين أن الميل الوسطي للاستهلاك APC ينخفض كلما ارتفعت نسبة الدخل الحالي إلى أعلى دخل سابق، وأن الميل الحدي للاستهلاك MPC ستكون أقل من A وتعتمد على هيكل توزيع الدخل الوطني.
و من خلال قيام دوزمبرى بدراسة العلاقة بين الاستهلاك الحقيقي و الدخل التصرفي الحقيقي استنتج ما يلي :
- إذا كان Yc اكبر من Ymax لكن الزيادة في الدخل الحالي هي زيادة مؤقتة ، فإن الفرد سيزيد من استهلاكه ولكن بنسبة أقل من الزيادة في الدخل أي أن هناك علاقة غير تناسبية بين الاستهلاك و الدخل.
- أما إذا كان Yc أكبر من Ymax ولكن الزيادة في الدخل الحالي هي زيادة دائمة فإن الفرد سيزيد من استهلاكه بنفس الزيادة في الدخل مما يعني أن هناك علاقة تناسبية بين الاستهلاك والدخل.
وبصفة عامة فقد خلص إلى أن العلاقة بين الاستهلاك والدخل تكون غير تناسبية في الأجل القصير (وهو نفس ما توصل إليه كينز)، أما في الأجل الطويل فهي تناسبية.
ب- نظرية الدخل الدائم ˝ملتون فريدمان˝:
التفسير الأخر المتعلق بعدم اتساق العلاقة بين الاستهلاك و الدخل في المدى القصير و المدى الطويل يتمثل في نظرية الدخل الدائم لميلتون فريدمان ، ويرى فريدمان مثل دوزمبري بأن هذه العلاقة في المدى الطويل هي تناسبية.
حيث يقول فريدمان بأن الاستهلاك في المدى الطويل يتحدد بتوقعات الأفراد لدخولهم المستقبلية
وبشكل عام يمكن تلخيص نظرية الدخل الدائم لفريدمان كما يلي :
Cp = kyp 1
Yc = yp+yt 2
Cc = cp +ct 3
المعادلة (1) تشير إلى أن الاستهلاك الدائم أو المخطط للفرد (cp) هو عبارة عن نسبة ماk) ) من دخله الحقيقي الدائم أو المخطط (yp) ، و هو يعتمد أي K على مغيرات متعددة مثل معدل الفائدة ، الثروة غير بشرية إلى الثروة الكلية، العمر، الذوق، الجنس....إلـــــخ
ولقد افترضه ثابتا نسبيا ومستقلا عن الدخل الدائم.
المعادلة ( 2) تبين الدخل الجاري (yc) خلال فترة زمنية معينة يتكون من شقين:
- دخل دائــــــم.
- دخل عـابر(غير متوقع).
المعادلة (3) تبين أن الاستهلاك الجاري مؤلف من مجموع الاستهلاك الدائم (cp)
والاستهلاك العابر(ct).
يفترض فريدمان في الأجل الطويل وجود علاقة خطية تناسبية بين الدخل والاستهلاك وتكون بين yp و cp وعلى هذا الأساس وضع فريدمان الافتراضات التالية:
• غياب الارتباط بين yt و yp.
• غياب الارتباط بين ct و cp.
• غياب الارتباط بين ct و yt ، واستنادا إلى هذه الفرضية فإن :
التغير Δyt)) سواء بالزيادة أو النقصان ليس لها أي تأثير على الاستهلاك بشكل عام معنى هذا أن الميل الحدي للدخل المؤقت (YT = 0).معدوم ، ( ΔCT/ΔYT)0 =
بعد إجراء التعويضات على المعادلات الثلاثة توصل فريدمان إلى المعادلة النهائية التالية:
CC =K{YC - YT}+CT ………4
هذه المعادلة تشير إلى أن الاستهلاك الجاري (الحالي) هو عبارة عن جزء من الفرق بين الدخل الحالي (الجاري) والدخل المؤقت (العابر) زائد احتمال حدوث استهلاك مؤقت قد يكون إيجابي وقد يكون سلبي.
ويفترض فريدمان أنه في الأجل الطويل العناصر المؤقتة الدخل والاستهلاك ستزيل بعضها، مثلا الشيء الذي يربحه الإنسان في الرهان سيزيل الخسارة التي يسببها إنسان آخر بسبب السرقة والاستهلاك الإيجابي لشخص ما سيزيل الاستهلاك السلبي لشخص آخر ،لهذا تصبح المعادلة على الشكل التالي :cc = kyc
هذه الدالة تشبه دالة الاستهلاك للفترة الطويل CL =byd :
أي توصل فريدمان إلى أن العلاقة بين الاستهلاك والدخل في الأجل الطويل تناسبية ، أما في الأجل القصير العناصر المؤقتة للدخل والاستهلاك تختلف عن الصفر.
إنطلاقا من المعادلة (4) نقوم باستنتاج معادلة الميل الوسطي للاستهلاك كما يلي :
(c/y) =( ky/y) –(kyt/y) +(ct/y).
(c/y) = k –k( yt/y) + (ct/y).
وحسب فريدمان إذا كان الاقتصاد في حالة رواج مع ثباتct وبافتراض نمو متناسب
yوyt ، و بالتالي هنا تكون العلاقة بين الميل الوسطي و المقدار ct/y حيث أن هذا المقدار متناقض ، و مادام أن هذا الأخير متناقض فإن العلاقة غير تناسبية .
جـ- نظرية دورة الحياة : تنص هذه النظرية التي قدمها كل من " موديغلياني" و "أندو" بأن المستهلك يرغب في توزيع موارده بشكل يمكنه من المحافظة على نفس المستوى الاستهلاكي تقريبا في كل سنة من سنوات حياته حيث نجد أن الإنسان عندما يكون شابا في بداية حياته الوظيفية يستهلك كثيرا( زواج ، شراء سيارة ، شراء بيت ... إلخ ) حيث في بعض الحالات نجد أن استهلاكه يفوق دخله ( يقترض) لكن عندما يصبح في متوسط عمره ( 40-50) فأنه يصبح يدخر أكثر و هذا حتى يتمكن من المحافظة على نفس مستوى الاستهلاك بعد التقاعد، حيث بعد تقاعده سوف يستعمل مدخراته إلى أن يموت .
تفترض هذه النظرية أنه في الفترة الزمنية T فإن الفرد سيمتلك كمية معينة من الثروة الاسمية W كما تفترض أن كل فرد يمكنه معرفة دخله الجاري ( الحالي) في تلك الفترة الزمنية ( (yt (الدخل الناتج عن العمل) كما يعرف أيضا القيمة الحالية للدخل المتوقع في المستقبل vT (الدخل المتوقع الناجم عن العمل ) ، و عليه فإن دالة الفرد الاستهلاكية حسب هذه النظرية هي:
CT = a1 yt+ a2 vt+ a3 wt .............. 1
حيث a1،a2، a3 ثوابت وهي تعتمد على العمر و متوسط الحياة .
a3: محصورة بين 0 - 1
a2: محصورة بين 0 – 1
a1 : أكبر من الصفر
إذا أخذنا المعادلة 1 على المستوى الكلي نجد دالة الاستهلاك الكلية كما يلي :
CT = A1 yt+ A2 vt+ A3 wt ...............2
و من هذه المعادلة 2 نجد أن الميل الوسيطي للإستهلاك APC
APC = YtA1/ Yt + VtA2/ Yt + WtA3/ Yt
و إذا افترضنا أن Yt و Vt سيتغيران بنفس النسبة فهذا يعني أن APC سيعتمد فقط على المقدار Yt /Wt ، و في المدى القصير و خلال فترة ارتفاع الدخل فإننا نتوقع انخفاضا في هذا المقدار حيث أن الثروة لن تتغير عادة في الأجل القصير و العكس صحيح .
و لهذا نستنتج أن العلاقة بين الاستهلاك و الدخل في المدى القصير هي غير تناسبية أما في المدى الطويل فإن النسبة Yt /Wt ستكون تقريبا ثابتة أي التغير في الثروة و الدخل سيكون بنفس النسبة و الاتجاه مما يؤدي إلى ثباتAPC و هذا يعني أن العلاقة بين الدخل و الاستهلاك تناسبية في الأجل الطويل .
ومن جهة أخرى فقد لام البعض "كينز" لعدم أخذه في الاعتبار المتغيرات الأخرى بخلاف الدخل لتغير مستوى الاستهلاك مثل: اعتبارات تنبؤات المستهلكين حول المستويات المستقبلية للدخول و الأسعار أو حالة وضعيهم المالية .... الخ .
نقد النظرية الكينزية لسعر الفائدة:
يمكن القول بأن الرغبة التي دفعت كينز للتخلي عن النظرية الكلاسيكية الجديدة في معدل الفائدة قد أدت به إلى عرض نظرية أقل إقناعا عن نظرية سابقيه، فطبقا للكلاسيك الجدد تنتج الفائدة عن مسار سوق راس المال وتؤمن التوازن بين عرض وطلب الادخار، وبالنسبة لكينز ينتج معدل الفائدة من تحرك متغيرين مستقلين،هما تفضيل السيولة والكمية المعروضة من النقود، ولقد كتب كينز: " إن سعر الفائدة ليس هو السعر الذي يحقق توازن طلب موارد الاستثمار وقابلية الامتناع عن الاستهلاك المباشر، بل هو الذي تتفق عنده الرغبة في إبقاء الثروة في شكل سائل مع كمية العملة المتاحة ".
ولقد تبنى كينز هذا الموقف لهدف واحد، هو إثبات إن سعر الفائدة يتحدد خارج سوق رأس المال و إلا فقد كان سيضطر لقبول بأن الادخار يستثمر آليا، أي أن كينز يريد جعل سعر الفائدة ظاهرة نقدية لا علاقة لها مع مردود رأس المال ولا مع مستوى الادخار.
وإجمالا ، نظرا لأن النظرية الكنزية لسعر الفائدة لا تبرهن على استقلال عرض النقود ولا على الإرغام الذي بفرض تفضيل السيولة، فأنها تضل نظرية لا تفسر طبيعة معدل الفائدة ، وهذا السؤال غالبا ما وجه لكينز، ما الذي يفسر المعدل العادي للفائدة؟ و ما هي القوى التي تحدد هذا المستوى من معدل الفائدة؟.
ولمعرفة ذلك، فإنه يلزم تحليل دوافع مقترضي الأموال: إنهم يقترضون النقود بهدف تراكم رأس المال أي لتحقيق ربح معين، وسيقبلون اقتراض النقود بشرط ألا يزيد سعر الفائدة الذي سيدفعونه على نسبة معينة من معدل الربح، ولهذا السبب فإنه من الخطأ القول كما قال كينز بأن معدل الفائدة المرتفع يشكل عائقا أمام تراكم رأس المال، فإنه لن يحدث ذلك إذا صاحب ارتفاع سعر الفائدة ارتفاعا في معدل الربح، وعلى عكس ذلك فإن أي تخفيض لسعر الفائدة لن يؤدي إلى تعاظم التراكم طالما أن معدل الربح نفسه يكون منخفضا جدا، وهذا هو السبب الذي يجعل أطروحة كينز عن دالة معدل الفائدة معرضة للنقد .
وضمن منظور النظرية العامة فإن الهبوط في معدل الفائدة يؤدي إلى زيادة تدفق الاستثمارات الجارية، هذا المنظور للنظرية أثبت أنه غير صالح من الناحية التجريبية فقد لوحظ خلال عدة عهود أن انخفاضا هاما في معدل الفائدة لم يسبب ارتفاعا في مستوى الاستثمار ،فقد نشرت "لجنة توظيف النظام النقدي " في إنجلترا تقريرا اعترفت فيه بأن التقنيات الحديثة التي ترمي إلى تغيير سعر الفائدة ليست كافية لتنشيط الاقتصاد، ولهذه الملاحظة التجريبية أساس نظري متين ،فمن الواضح بالفعل أن أي تغير في سعر الفائدة لا يسبب بنفسه تغييرا في حجم الاستثمار، إذ أن هذا الأخير يتوقف أساسا على تطور معدل الفائدة، ولا نجد في طرح كينز تفسيرا لتطور معدل الربح .
ادعاء كينز بان الاستثمار هو محرك ،وحجم الادخار هو عنصر، أدى به إلى استنباط أن حجم الادخار لا يدخل بأي شكل في تثبيت معدل الفائدة، وهذا ما يعاب على كينز، حيث أن القبول بصحة فكرة أن الاستثمار والربح يشكلان المحرك للتراكم، لا يدعو إلى إهمال حجم الادخار على مستوى تمويل التراكم ، حيث أن معدل الفائدة في المدى الطويل سيتوقف على حجم الأموال المعروضة في السوق أو المتوفرة في المصارف، إذن حجم الادخار يلعب دورا في تثبيت سعر الفائدة، حيث أن الادخار المكثف يشكل حافزا للاستثمار كما أنه يموله بتكلفة منخفضة.
2. مفهوم التوازن عند كينز قابل للنقد:
من خلال وقوفنا على الأدوات التي استخدمها كينز في تحليله ،والانتقادات التي وجهت له بخصوصها، والتأكد من ضعف هذه الأدوات التي استعملها كينز لبناء توازن العمالة والدخل ،فكيف نستطيع التأكد من مستوى التوازن والعمالة يتعلق بهذه الأدوات؟
ويمكن تقديم انتقادات أخرى ضمن بنية هذا التوازن نفسه حيث وبتفحصنا للطريقة التي حلل بها كينز العرض الإجمالي نجد أ ن مفهومه ليس واضحا حيث يقول كينز: " أما سعر العرض الإجمالي هو الناتج المنتظر الذي يكفي تماما كي يعتقد المستحدثون أن الأمر يستحق عرض هذا الحجم من الاستخدام "
هذه العبارة لا تخلو من الغموض، يمكن أن تعني أنه بالنسبة لكل مستوى من العمالة تقرر المؤسسات (بناءا على تكلفة الإنتاج التي تتحملها)، إضافة هامش ربحي بهدف مكافأة رؤوس أموالها. وسيكون هذا بشكل ما الربح الذي تقدر المؤسسات أنه كاف، ولاشك أن يفترض عند ذلك أنّ المؤسسات تملك سلطة تثبيت أسعار بيع منتجاتها، والسؤال الأساسي هنا ما هو المعيار الذي يقدمه كينز عن الربح الكافي؟ ذلك أن مسألة مستوى الربح الكافي هي مسألة حاسمة لتحديد مستوى العمالة والدخل.
بالنسبة لأجر معين¬ (تنمو الكتلة الأجورية نسبيا مع نمو مستوى العمالة).وبالنسبة لطلب إجمالي معين يتعلق مستوى الاستخدام بالربح المعتبر كافيا، ومنه ومن أجل نفس مستوى الطلب الفعلي، ينتقل حجم العمالة طبقا لما ترغب المؤسسة في تحقيقه من ربح مرتفع أو منخفض، ومنه تجب معرفة من الذي يحدد الربح الكافي.
ولمعرفة ذلك فإننا نضطر أن نخرج من مجال التحليل الكينزي نفسه، بالقول أن الربح الكافي يتعلق بصراع الطبقات (إن الربح الكافي هو ذلك الربح الذي ينتج في فترة معينة من الصراع بين العمال الذين يرغبون في زيادة أجرهم ضمن إطار نظام معين للأسعار و الرأسماليين الذين يرغبون في زيادة ربحهم ).
3.نقد السياسة الاقتصادية المقترحة :
لقد رأينا أن التحليل الكينزي للعمالة يؤدي منطقيا إلى اختيار الدولة لسياسة مالية ولميزانية ناجعة. والسؤال المطروح هنا هل هذه السياسة الاقتصادية ممكنة ؟ وهل هي فعالة ؟
1.3 إمكانية السياسة الاقتصادية :
لقد طبقت السياسات الاقتصادية الكنزية في كل الدول و على الأخص في الولايات المتحدة الأمريكية. ولقد تبنت الحكومات إجراءات التشجيع الاقتصادي و المساندة في الطلب العام، وظلت هذه السياسات الاقتصادية تطرح بعض المشاكل على مستوى التمويل و الاستخدام الكامل.
على مستوى التمويل، إذا اتفق الرأسماليون على مستوى مرتفع للنفقات العامة والذي يكون مربحا لهم، فانه لن يكون من السهل بالنسبة للدولة أن تحصل منهم عن طريق الضرائب و القروض، على وسائل تمويل هذه النفقات العامة، و على الدولة في معظم البلدان الرأسمالية أن تلتجئ إذن إلى الخلق النقدي لتمويل هذه النفقات، و النتيجة تكون ضغطا مستمرا يؤدي إلى رفع الأسعار أي إلى التضخم المالي .
وعلى مستوى سوق العمل، ليس من المؤكد أن تتدخل الدولة دائما لصالح دعم العمالة الكاملة و في الواقع يشكل الاستخدام الكامل لقوى العمل من وجهة نظر الرأسماليين شرطا موضوعيا غير ملائم للمفاوضات الأجورية، وبناء على ذلك فإن هناك تناقضا من وجهة نظر الطبقة الرأسمالية بين الهدف الذي تنشده الدولة، وهو مساندة الطلب الفعلي، و بين مصالح الطبقة الرأسمالية في ميدان سوق قوى العمل والذي يتمثل في إبقاء هامش للبطالة يسمح بتثبيت الأجور.
2.3.فعالية السياسات الكينزية :
رأينا سابقا أن تدخل الدولة يكون محدودا دائما بأخطار التضخم والتوتر في سوق قوة العمل، وحتى مع افتراض عدم وجود هذه الحدود، فهل بالامكان استنباط فعالية كاملة للسياسة الاقتصادية الكينزية ؟
ولمعرفة ذلك يكفي فهم أنّ تقدم تراكم راس المال الذي يسمح به تدخل الدولة يطرح عاما بعد عام مشكلة استعمال الأرباح المحققة خلال المرحلة السابقة. وبالفعل إن تدخل الدولة لا يغير بشكل أساسي ديناميكية النظام الاقتصادي وتناقضاته، وكل ما يعمله هو تأخير إنتاج آثاره.
وعلى سبيل المثال لو ساندت الدولة تراكم رأس المال في القطاع الاحتكاري ،فإن تدخلها يسمح لمؤسسات هذا القطاع بتحقيق أرباح جوهرية .
إن مشكلة فرص الاستثمار بالنسبة لمعدل ربح معين ستظل مطروحة على صعيد أوسع ،بافتراض أن الشركات الكبرى تتوصل إلى تراكم لرأس المال، في معدل ربح يعتبر كافيا في هذا القطاع وذلك بفضل سياسة الدولة، فإن المشكلة ستطرح في المرحلة التالية، أي أن كل مرحلة تطرح على المؤسسة مشكلة استعمال أرباحها الجديدة. فإذا كان لمؤسسة ما 100مليون دولار لاستثمارها، فإنها لا تقرر استثمارها بناءا على مقارنة المعدلات الحالية للأرباح في مجال نشاطها فحسب، بل إن عليها تحليل أثر ذلك على معدلات الأرباح لهذا الإنتاج الإضافي مع اعتبار الطلب، ويمكن لهذا التحليل أن يدفعها إلى العزوف عن هذا الاستثمار. وبهذا الشكل فإنّ هناك ميلا شديدا للركود في الرأسمالية، ولا تستطيع أي سياسة حكومية كانت أن تلغيه نهائيا. ويظل هذا الركود معلنا في شكل بطالة وقدرات إنتاج غير مستخدمة، وما يمكن قوله هنا هو أنّ السياسات الكنزية فشلت في حل تناقضات النظام، وفيما يتعلق بالسياسة التجارية التي يقترحها الكينزيون، والتي تتمثل في مراقبة الواردات وتنمية الصادرات فإنّ لها ما يحد منها في السياسات التجارية للدول الأخرى، فلن توافق أي دولة أن يحدّ من صادراتها لأي دولة أخرى دون أن تراقب نفسها الواردات.
نماذج النمو:
من بين أهم النماذج هناك ثلاثة مهمة، هي نموذج " هارود " ونموذج "كالدور" ونموذج "جوان روبنسون"، وسوف نحاول من خلال ما يأتي الإشارة إلى جوهر النتائج التي توصل إليها أصحاب هذه النماذج فيما يخص النمو والتوازن والتوظيف.
.1 نموذج هارود : يعتبر الاقتصادي البريطاني " روي ف. هارود" من الأوائل الذين طوروا الفكر الكينزي في مجال نماذج النمو ، ولقد كانت المشكلة الرئيسية لدى هارود هي البحث في ذلك المعدل الذي يتعين أن ينمو به الدخل القومي على المدى الطويل ، حتى يمكن المحافظة على التوظيف الكامل وتجنب حدوث البطالة والكساد ، ولقد انطلق هارود من الافتراضات التالية :
• إن الادخار يمثل نسبة ثابتة من الدخل القومي ، وقد افترض أن دالة الادخار تشمل كلا من الادخار الحدي والادخار المتوسط.
• إن الاستثمار دالة للتغير في مستوى الدخل وأن التغير في الدخل يعتمد على المعجل الذي يوضح تلك العملية والتي بموجبها تؤدي التغيرات في الطلب على السلع الاستهلاكية إلى تغيرات بنسبة أكبر في الطلب على المعدات الإنتاجية المستخدمة في إنتاجها
• إن هناك تطابقا بين الاستثمار و الادخار المتحققين باعتبار أن ذلك شرطا توازنيا، وأنه إذا اختل هذان المتغيران فلا بد أن يطرأ اختلال على التوازن الاقتصادي العام ، حيث يحدث تضخم (في حالة زيادة الاستثمار على الادخار ) أو بطالة وركود (في حالة العكس) .
النمو في الدخل يساوي معدل الادخار مقسوما على معامل المعجل (معدل النمو المرغوب فيه)
Gw = S/v
حيث S : الادخار .
V : المعجل
Gw: معدل النمو
وبما أن الادخار المتحقق يتعادل دائما مع الاستثمار المتحقق ، فإن مستوى الدخل والمستوى القايل للادخار يحددان كمية الاستثمار المتحقق ، ولكن لما كان الادخار المقدر والمتحقق يتحددان بمستوى الدخل وأن الاستثمار المقدر يتحدد بالتغير في مستوى الدخل ، لذلك فإن الاستثمار المقدر يساوي الادخار المتحقق ، وحينها فإنه لن يكون لدى رجال الأعمال أي جافز لتغيير خططهم الإنتاجية والاستثمارية، لأن الدخل هنا ينمو عند المعدل المرغوب فيه.
أما إذا افترضنا أن النمو المتحقق للدخل أقل من النمو المرغوب فيه، ففي هذه الحالة سيكون الاستثمار المقدر أقل من الادخار المتحقق والاستثمار المتحقق، وعندها تنشأ مشكلة تراكم في المخزون السلعي غير المرغوب فيه، مما يدفع رجال الأعمال إلى الزيادة في إنتاجهم بمعدل أقل مما كان يحدث في الفترة السابقة، وهنا تظهر بطالة وطاقة عاطلة.
في حين إذا كان معدل النمو الفعلي أكبر من معدل النمو المرغوب فيه، فإن الاستثمار المقدر يكون قد نجاوز الاستثمار المتحقق والادخار المتحقق ، وهنا ينخفض المخزون السلعي بسرعة ويدرك رجال الأعمال أنهم لم يعملوا على زيادة الإنتاج بالمعدلات الكافية لمواجهة الطلب الأمر الذي قد يرفع من الأسعار.
وفي ما بين معدل النمو الفعلي ومعدل النمو المرغوب فيه ، اقترح هارود وجود معدل نمو ثالث هو معدل النمو الطبيعي والمقصود به هو أقصى معدل للنمو تسمح به عمليات تراكم رأس المال ، والنمو في القوى العاملة ، والتحسينات التكنولوجية والذي عنده يتحقق التوظيف الكامل وطبقا لنموذج هارود فإن الوضع الأمثل يتحقق عند تساوي معدلات النمو الثلاثة مع بعضها ، وقد اقترح هارود لضمان الوصول إلى هذا الوضع مجموعة من السياسات المالية والنقدية وهي سياسات ذات طابع كينزي
.2 نموذج كالدور : ينتمي " نيكولاس كالدور " إلى مدرسة كامبردج وقد شكلت أفكار كالدور (ومعه جوان روبنسون) ما اصطلح عليه بنظرية النمو والتوزيع لما بعد كينز ، وقد تميزت هذه النظرية بخلوها من أفكار الحديين التي تنص على أن دخل أي عنصر من عناصر الإنتاج يعادل إنتاجيته الحدية ، كما تخلوا أيضا من أفكار النيوكلاسيك التي كانت تشير إلى أن النمو يتحدد بمجرد وفرة الموارد وسرعة التقدم التكنولوجي كما أن تلك النظرية تولي تراكم رأس المال والميل للادخار وعلاقة ذلك بتوزيع الدخل أهمية محورية في تغيير النمو.
ولقد انطلق " كالدور " من فكرته الأساسية التي تقول أن معدل النمو يتوقف على معدل التراكم ومعدل التراكم يتوقف على الادخار وهذا الأخير يتحدد بناء على ميل طبقات المجتمع للادخار ، ونظرا لأن الطبقة الرأسمالية وهي ذات دخل أعلى لها ميل مرتفع للادخار ، بينما يكون ميل الطبقة العاملة منخفضا فإن شكل توزيع الدخل يحدد في النهاية معدل النمو، وهكذا فإن نقطة البداية عند كالدور هي الارتباط الوثيق بين النمو والتراكم من ناحية وتوزيع الدخل القومي من ناحية أخرى ، ولقد اعتبر كالدور أن معدل النمو وتوزيع الدخل أمران مرتبطان ، حيث أن معدل التراكم الذي يحدد – في النهاية – معدل النمو يتوقف على نصيب الأرباح من الدخل القومي ومن هذا الإطار انطلق "كالدور" يحلل مسألة التوازن الاقتصادي في الأجلين الطويل والقصير وذلك من خلال آليات توزيع الدخل القومي وما تحدثه هذه الآليات من آثار ، وذلك على النحو الذي يجعل النظام قادرا على استعادة توازنه واستقراره وبشكل تلقائي.
فإذا حدث على سبيل المثال اختلال في الأجل القصير ، بأن كان الاستثمار أكبر من الادخار عند مستوى التوظيف الكامل ، فإن محصلة ذلك هي ارتفاع عام في الأسعار وبشكل أعلى من ارتفاع الأجور ،وهنا يتغير توزيع الدخل لمحصلة كاسبي الأرباح في حين ينخفض نصيب الأجور من الدخل وتكون نتيجة ذلك زيادة الادخار(نتيجة ارتفاع الميل للادخار عند كاسبي الارباح) وعندئذ يتساوى الادخار والاستثمار ويتحقق التوازن.
أما إذا كان الادخار اكبر من الاستثمار فان المستوى العام للأسعار يتجه إلى الانخفاض، وبسرعة اكبر من سرعة هبوط الأجور. وفي هذه الحالة ينخفض الادخار القومي بسبب انخفاض الحصة النسبية لكاسبي الأرباح، إلى أن يتساوى مع الاستثمار القومي ويتحقق التوازن ،وهذا يعرف بمصطلح "اثر كالدور".
أما في الأجل الطويل، فانه بفرض ثبات معدل الادخار الإجمالي وثبات معامل راس المال،فان زيادة معدل النمو تتطلب زيادة معدل التراكم وهو ما يتطلب إعادة توزيع الدخل لمصلحة كاسبي الأرباح.
3.نموذج جوان روبنسون:
تعتبر جوان روبنسون من أهم الشخصيات المعاصرة في الفكر الاقتصادي الرأس المالي ،ويصنفها الكثيرون ضمن ما يسمي باليسار الكينزي ،وهي على وجه الإجمال تنتقد الفكر الكلاسيكي، وتأخذ عليه تمسكه بفكرة التوازن الخالية من المعنى ، كما أنها لا تعتقد في صحة ما يذهب إليه هذا الفكر في مجال القيمة ، وتعارضه في النظر إلى النمو على انه بمنزلة تيار من التوازنات الاقتصادية الناجمة عن الاختلالات الإبداعية التى يحدثها التقدم التكنولوجي، ورغم أن روبنسون تبدي تقديرها التام لأستاذها كينز، إلا أنها لم تقبل النظرية العامة دون تحفظات، فهي تعتقد ان هناك عيبا في هذه النظرية يتمثل في افتراض كينز لفاعلية نظام السوق وقوى العرض والطلب وإهماله لقوة الاحتكارات في النظام الراس المالي .
وقد حاولت في كتابها الشهير "تراكم راس المال"(1956) البحث عن تناقضات النظام الرأسمالي و الكشف عن مواقع الضعف فيه مع إدخالها سيطرة الاحتكارات في صلب التحليل وكانت المشكلة الأساسية التي تبحث عن إجابة لها في نموذجها تتمثل فيما يلي :
إذا كان معدل التراكم الرأسمالي أساسيا لتحديد معدل النمو واستيعاب منجزات التقدم التكنولوجي وبشكل مستمر ، فما هو ذلك المعدل الأمثل الذي يكفل توزيع الدخل القومي على نحو يضمن استمرار النمو في الطلب الكلي وبشكل يجاري النمو في الإنتاج ويحقق التوظيف الكامل؟وكيف يمكن أن يضمن النظام لنفسه هذا التوزيع وعبر أي الآليات يمكن تحقيق هذا ؟
ولقد انطلقت "روبينسون"في نموذجها من الفروض التالية :
1.ان الاقتصاد القومي يتشكل من قطاعين ،و أولهما ينتج سلع ووسائل الإنتاج والثاني ينتج السلع الاستهلاكية.
2.ثبات الفن التكنولوجي، ومن ثم ثبات المعاملات الفنية للإنتاج .
3.إن معدل الاستثمار هو المتغير الخارجي الأكثر أهمية في تحقيق النمو .
وطبقا لتحليل (روبينسون) تتمثل المشكلة الرئيسية للنظام الرأسمالي في غياب المنافسة الكاملة وتدهور معدلات الأجور الحقيقية وقصور الطاقة الشرائية للأفراد، ومن خلال تحليلها الموسع توصلت إلى انه في حالة ثبات التقدم التكنولوجي وسيادة الاحتكار ،فان عملية إعادة الإنتاج الموسع ، ومن ثم النمو الاقتصادي ،يكون أمرا ممكنا من الناحية النظرية فقط على حساب تخفيض معدل الأجر الحقيقي ولكن تخفيض هذا الأخير لا يلبث أن يؤدي إلى تخفيض الطلب الاستهلاكي، الذي يؤثر بدوره في عملية التراكم (أي إنتاج وسائل الإنتاج)، ومن هنا ينخفض معدل الربح، ويسود التشاؤم بين رجال الأعمال وتظهر البطالة، وتلك في نظر "روبنسون" هي معضلة النظام الرأسمالي (هي نفسها النتيجة التي توصل إليها الاقتصاديون الكلاسيك) أما إذا سادت حالة المنافسة،فإنه يكون من الممكن التغلب على تناقضات إعادة الإنتاج الموسع بسبب اتجاه الأجور للتزايد مع تزايد إنتاجية العمل، وفي هذا السياق تقول "روبنسون" إذا كان التقدم الفني حياديا،وظل هكذا بشكل مستمر، وبقيت مراحل الإنتاج كما هي، وظلت آلية المنافسة تعمل بشكل فعال، فإن القوى العاملة من الممكن أن تجد لها فرصا منتجة للعمل، حتى لو افترضنا أن السكان سيميلون للتزايد بشكل مستمر، وذلك لأن معدل التراكم سوف يستمر بوتيرة معينة وسيظل معدل الربح ثابتا على المدى الطويل، كما أن مستوى الأجر الحقيقي سوف يميل للتزايد مع الارتفاع الذي يطرأ على إنتاجية العمل وبهذا الشكل لن تكون هناك تناقضات داخلية في النظام.
وترى روبنسون أن الاحتكار مشكلة تؤخر النظام الرأسمالي وتشده إلى الركود والبطالة، ففي حالة الاحتكار يمكن لمعدلات الربح أن تتزايد، ليس نتيجة لمعدلات التراكم المرتفعة. بل نتيجة لقدرة المحتكرين على رفع الأسعار،وهنا فان زيادة الدرجة الاحتكارية غالبا من تؤدي إلى ارتفاع نصيب الأرباح من الدخل القومي ،على حساب تدني نصيب عنصر العمل ،مما يؤدي إلى خفض الطلب الاستهلاكي الكلي وإعاقة تصريف المنتجات ومن ثم الركود، ولهذا تعتقد روبنسون أن نضال نقابات العمال لزيادة الأجور، ونجاحها في ذلك، يعوقان ظهور الميل نحو الركود والبطالة، أما في حالة المنافسة فالأمر يختلف لأنها تعتقد أنه في هذه الحالة يوجد توافق بين الأسعار والتكاليف، وأن الأجور ترتفع مع ارتفاع الإنتاجية وتوحي روبنسون من وراء ذلك أنه في حالة المنافسة لن توجد مشكلة خاصة بنقص حجم الطلب الفعال، ولا بانعدام الحوافز للتراكم وتحقيق التقدم التكنولوجي، نظرا لأن النظام في حالة توازن مصحوب باستقرار سعري.
مواضيع مماثلة
» امتحان في تقييم المؤسسات
» تقييم أنظمة الإعلام المالي
» دراسة حالة رقم 4 تقييم الأداء
» إمتحان تقييم المؤسسة جامعة باتنة 2009-2010
» دراسة حول تقييم رأس المال الغير مادي(رأس المال الفكري)
» تقييم أنظمة الإعلام المالي
» دراسة حالة رقم 4 تقييم الأداء
» إمتحان تقييم المؤسسة جامعة باتنة 2009-2010
» دراسة حول تقييم رأس المال الغير مادي(رأس المال الفكري)
طلاب جامعات الجزائر :: كليات :: منتديات كلية الإقتصاد Faculté des sciences économiques et gestion :: قسم الملخصات والدروس
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى