أساليب الشركات في تسعير المنتجات.. الحديد مثالا
صفحة 1 من اصل 1
أساليب الشركات في تسعير المنتجات.. الحديد مثالا
أساليب الشركات في تسعير المنتجات.. الحديد مثالا
هناك طرق وسياسات متعددة تنتهجها الشركات عند تسعير منتجاتها منها ما هو مقبول وأخلاقي ومنها ما هو محظور واستغلالي وغير أخلاقي. وهنا لن نتطرق إلى السياسات القانونية المتعارف عليها بل سنلقي الضوء على الجانب المظلم في التسعير والسياسات الماكرة التي تتبعها الشركات للسيطرة على السوق لزيادة حصتها وتعظيم أرباحها. فهناك سياسات تسعيرية تصنفها أدبيات التسويق بالطرق غير الأخلاقية وينظر إليها رجال القانون التجاري كما ينظرون إلى جريمة غسيل الأموال.
ومن الصعب تغطية جميع سياسات التسعير غير الأخلاقية في مقام كهذا، إلا أننا سنركز نقاشنا في عرض أبشع هذه الطرق وأكثرها خطورة وهي سياسة "المطالبة بالمزيد" والتي تستخدم شعار "أطلب أكثر مما تتوقع الحصول عليه".
وسياسية "المطالبة بالمزيد" من أدهى وأخبث طرق التسعير لدرجة أن بعض أدبيات التسويق تبرهن أنها أصلت في مجال التفاوض والدبلوماسية الدولية ولا تمت لعلم التسويق بصلة. وهي مقبولة وتصنف من الطرق الأخلاقية في مجال التفاوض والعلاقات الدولية إلا أن جميع منظري التسويق يصنفونها ضمن الطرق غير الأخلاقية ولذا فإن تدريسها محظور في جميع كليات إدارة الأعمال وممارستها محرمة في كثير من أسواق العالم. ورغم كل هذا التحذير إلا إن بعض الشركات تستخدمها عند تسعير منتجاتها وبشكل فاضح خصوصا في الدول التي تفقد الرقابة المحكمة على شركاتها.
وسياسة "المطالبة بالمزيد" مأخوذة من القصة الخرافية التي سردها خبير التفاوض الشهير "روجر داوسون" في كتابه المتألق "أسرار قوة التفاوض". والقصة في مجملها تدور حول زوجان طاعنان في السن كانا يقطنان كوخا شبه منهار من القش في إحدى جزر المحيط الهادي النائية. وفي أحد الأيام هب إعصار في البلد وهدم منزلهما. وبما أن الزوجين كانا معدمين وطاعنين في السن فقد عجزا عن بناء الكوخ وانتقلا للعيش مع ابنتهما وزوجها. وقد سبب هذا الأمر إزعاجا للبنت لأن الكوخ كان صغيرا لا يكاد يكفيها وزوجها وأبناءهما الأربعة. لذا قررت الابنة أن تذهب إلى حكيم القرية لتشرح له الأمر وطلبت منه الحل. فسألها الحكيم: هل تملكين دجاجا، فأجابت أن لديها عشر دجاجات، فاقترح عليها أن تضع الدجاجات داخل الكوخ لتقيم معهم.
ورغم أن هذه الفكرة كانت ساذجة إلا إنها قررت أن تنفذها مما أدى بالطبع إلى تفاقم الأزمة حتى بات الأمر غير محتمل. فعادت الابنة إلى الحكيم وهي ترجو أن يقدم لها نصيحة أكثر منطقية، والذي بدوره سألها: هل لديك خنازير، فأجابت أن لديها ثلاثة خنازير. فاقترح عليها أن تضع الخنازير داخل الكوخ لتقيم معهم. ورغم عدم قناعة الابنة بهذا الأمر إلا إنها لم تجد مفرا من تنفيذ أمر الحكيم. وقامت الابنة بإدخال الخنازير داخل الكوخ. وأصبحت الحياة لا تطاق، إذ أصبح الكوخ الصغير يعج بـثمانية أشخاص، وعشر دجاجات، وثلاثة خنازير.
وخشيت الابنة على أسرتها من المرض، فقررت العودة للحكيم وطلبت منه باكية أن يخلصها من هذا الوضع، فقال لها ببساطة: اخرجي الدجاج والخنازير من الكوخ. ورغم أن الأمر كان محيرا بالنسبة لها إلا أنها سارعت بإجلاء الدجاج والخنازير من الكوخ وعادت الأسرة لتعيش معا بسعادة وصفاء.
أما الحكمة من سرد هذه القصة فهو أن الصفقة تبدو دائما أفضل حينما نقوم بالتخلص من بعض الأشياء. وقصة "الفتاة والحكيم" التي عرضها "داوسون" لتوضيح سياسية "المطالبة بالمزيد" إحدى الوسائل الأخلاقية عندما تستخدم في التفاوض والدبلوماسية إلا أنها من السياسات الماكرة عندما تستخدم في التسعير. فعلى سبيل المثال، لو نظرنا إلى سعر الحديد كيف كان؟ وكيف هو الآن؟ ألا تتفق معي أن منتجي الحديد اتبعوا سياسية "المطالبة بالمزيد" المحظورة أكاديميا والمحرمة دوليا.
تسألني كيف؟ لقد كيفوا السوق عن طريق رفع الأسعار عدة مرات وعلى مراحل زمنية متتابعة بنسب متفاوتة، بدأوا بأكبر نسبة ممكنة ثم تدرجوا في رفع الأسعار بنسب أقل حتى وصل الأمر إلى مرحلة حرجة أدركوا بعدها أننا كمستهلكين لا نستطيع تحمل المزيد. عندها تتظاهر بعض شركات الحديد بالمصداقية فتصدر خصما زهيدا كي نقبل بالأمر الواقع ونتعايش معه. وهي بذلك توهمنا أنها خارج اللعبة وأن الأسعار تحددها التغيرات الاقتصادية الدولية، وسعر الصرف، وتكلفة المواد الخام. وفي مقال مقبل ـ بإذن الله ـ سنلقي الضوء على جوانب مظلمة أخرى تنتهجها الشركات عند تسعير منتجاتها مثل سياسة النقود المرحة (وهي عبارة عن تفصيل السعر بطريقة هزلية)، وإقناع الناس بجدوى البطاقات الائتمانية.
* نقلا عن جريدة "الإقتصادية" السعودية.
هناك طرق وسياسات متعددة تنتهجها الشركات عند تسعير منتجاتها منها ما هو مقبول وأخلاقي ومنها ما هو محظور واستغلالي وغير أخلاقي. وهنا لن نتطرق إلى السياسات القانونية المتعارف عليها بل سنلقي الضوء على الجانب المظلم في التسعير والسياسات الماكرة التي تتبعها الشركات للسيطرة على السوق لزيادة حصتها وتعظيم أرباحها. فهناك سياسات تسعيرية تصنفها أدبيات التسويق بالطرق غير الأخلاقية وينظر إليها رجال القانون التجاري كما ينظرون إلى جريمة غسيل الأموال.
ومن الصعب تغطية جميع سياسات التسعير غير الأخلاقية في مقام كهذا، إلا أننا سنركز نقاشنا في عرض أبشع هذه الطرق وأكثرها خطورة وهي سياسة "المطالبة بالمزيد" والتي تستخدم شعار "أطلب أكثر مما تتوقع الحصول عليه".
وسياسية "المطالبة بالمزيد" من أدهى وأخبث طرق التسعير لدرجة أن بعض أدبيات التسويق تبرهن أنها أصلت في مجال التفاوض والدبلوماسية الدولية ولا تمت لعلم التسويق بصلة. وهي مقبولة وتصنف من الطرق الأخلاقية في مجال التفاوض والعلاقات الدولية إلا أن جميع منظري التسويق يصنفونها ضمن الطرق غير الأخلاقية ولذا فإن تدريسها محظور في جميع كليات إدارة الأعمال وممارستها محرمة في كثير من أسواق العالم. ورغم كل هذا التحذير إلا إن بعض الشركات تستخدمها عند تسعير منتجاتها وبشكل فاضح خصوصا في الدول التي تفقد الرقابة المحكمة على شركاتها.
وسياسة "المطالبة بالمزيد" مأخوذة من القصة الخرافية التي سردها خبير التفاوض الشهير "روجر داوسون" في كتابه المتألق "أسرار قوة التفاوض". والقصة في مجملها تدور حول زوجان طاعنان في السن كانا يقطنان كوخا شبه منهار من القش في إحدى جزر المحيط الهادي النائية. وفي أحد الأيام هب إعصار في البلد وهدم منزلهما. وبما أن الزوجين كانا معدمين وطاعنين في السن فقد عجزا عن بناء الكوخ وانتقلا للعيش مع ابنتهما وزوجها. وقد سبب هذا الأمر إزعاجا للبنت لأن الكوخ كان صغيرا لا يكاد يكفيها وزوجها وأبناءهما الأربعة. لذا قررت الابنة أن تذهب إلى حكيم القرية لتشرح له الأمر وطلبت منه الحل. فسألها الحكيم: هل تملكين دجاجا، فأجابت أن لديها عشر دجاجات، فاقترح عليها أن تضع الدجاجات داخل الكوخ لتقيم معهم.
ورغم أن هذه الفكرة كانت ساذجة إلا إنها قررت أن تنفذها مما أدى بالطبع إلى تفاقم الأزمة حتى بات الأمر غير محتمل. فعادت الابنة إلى الحكيم وهي ترجو أن يقدم لها نصيحة أكثر منطقية، والذي بدوره سألها: هل لديك خنازير، فأجابت أن لديها ثلاثة خنازير. فاقترح عليها أن تضع الخنازير داخل الكوخ لتقيم معهم. ورغم عدم قناعة الابنة بهذا الأمر إلا إنها لم تجد مفرا من تنفيذ أمر الحكيم. وقامت الابنة بإدخال الخنازير داخل الكوخ. وأصبحت الحياة لا تطاق، إذ أصبح الكوخ الصغير يعج بـثمانية أشخاص، وعشر دجاجات، وثلاثة خنازير.
وخشيت الابنة على أسرتها من المرض، فقررت العودة للحكيم وطلبت منه باكية أن يخلصها من هذا الوضع، فقال لها ببساطة: اخرجي الدجاج والخنازير من الكوخ. ورغم أن الأمر كان محيرا بالنسبة لها إلا أنها سارعت بإجلاء الدجاج والخنازير من الكوخ وعادت الأسرة لتعيش معا بسعادة وصفاء.
أما الحكمة من سرد هذه القصة فهو أن الصفقة تبدو دائما أفضل حينما نقوم بالتخلص من بعض الأشياء. وقصة "الفتاة والحكيم" التي عرضها "داوسون" لتوضيح سياسية "المطالبة بالمزيد" إحدى الوسائل الأخلاقية عندما تستخدم في التفاوض والدبلوماسية إلا أنها من السياسات الماكرة عندما تستخدم في التسعير. فعلى سبيل المثال، لو نظرنا إلى سعر الحديد كيف كان؟ وكيف هو الآن؟ ألا تتفق معي أن منتجي الحديد اتبعوا سياسية "المطالبة بالمزيد" المحظورة أكاديميا والمحرمة دوليا.
تسألني كيف؟ لقد كيفوا السوق عن طريق رفع الأسعار عدة مرات وعلى مراحل زمنية متتابعة بنسب متفاوتة، بدأوا بأكبر نسبة ممكنة ثم تدرجوا في رفع الأسعار بنسب أقل حتى وصل الأمر إلى مرحلة حرجة أدركوا بعدها أننا كمستهلكين لا نستطيع تحمل المزيد. عندها تتظاهر بعض شركات الحديد بالمصداقية فتصدر خصما زهيدا كي نقبل بالأمر الواقع ونتعايش معه. وهي بذلك توهمنا أنها خارج اللعبة وأن الأسعار تحددها التغيرات الاقتصادية الدولية، وسعر الصرف، وتكلفة المواد الخام. وفي مقال مقبل ـ بإذن الله ـ سنلقي الضوء على جوانب مظلمة أخرى تنتهجها الشركات عند تسعير منتجاتها مثل سياسة النقود المرحة (وهي عبارة عن تفصيل السعر بطريقة هزلية)، وإقناع الناس بجدوى البطاقات الائتمانية.
* نقلا عن جريدة "الإقتصادية" السعودية.
مواضيع مماثلة
» أساليب تحليل المبيعات
» الشركات الأجنبية ستحول 80 مليار دولار نحو الخارج بداية من 2013
» حوكمة الشركات
» محاسبة الشركات القابضة-1-
» محاسبة الشركات القابضة-2-
» الشركات الأجنبية ستحول 80 مليار دولار نحو الخارج بداية من 2013
» حوكمة الشركات
» محاسبة الشركات القابضة-1-
» محاسبة الشركات القابضة-2-
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى